أبو طه العبدي يكتب: أفعال العقلاء منزهة عن العبث

أي مصلحة عند وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في إبعاد الدعاة الفضلاء، الأكفاء، الغيورين عن دينهم ووطنهم، ومقومات هوية بلادهم -ومنهم علماء متخصصون-عن منابر الخطابة والوعظ والإرشاد؟
هل وظيفة الخطيب والواعظ -خصوصا إن كان من أهل النظر والرأي- أن يُلقي أي كلام على عواهنه، دون تدقيق، وتمحيص، ويُطأطئ الرأس لتنفيذ أوامر من تقلد مسؤولية وربما كان أقل كفاءة وخبرة، سوى أنه مسؤول!
أليس من تسديد التبليغ أن تعض الوزارة بالنواجد على ذوي المروءة ومستشعري المسؤولية ممن يصضلعون بمهامهم التبليغية، ووظائفهم الدعوية، بصدق وغيرة وبصيرة؟ وهل يضر الوزارة في شيء اختلاف العلماء مع بعض تقديراتها التي قد تجانب فيها الصواب؟! هل اجتهادات الوزارة وتقديراتها حق مطلق لاياتيه الخطأ وسوء التقدير من بين يديه ولا من خلفه؟ أين هو التجسيد العملي للحرية، والحق في الاختلاف والتقدير؟
أليس من مصلحة الوزارة، ومصلحة البلد المحافظة على الموارد البشرية الجيدة من ذوي الكفاءة والخبرة والغيرة لتأطير الشباب، وعموم المجتمع وتحصينه من مظاهر الغلو والتسيب والانحلال لحراسة الفضيلة؟ أي معنى للحياة الطيبة- وهي أهم غايات خطة تسديد التبليغ- إذا لم يكن من مقوماتها إشاعة نفس الفضيلة، وانتقاد مظاهر الرذيلة، ورموزها، ومروجي سلوكاتها، ومسانديها الداعمين لها؟
هل تظن الوزارة أن المضطلعين بمهام التبليغ والدعوة إلى الله بصدق وغيرة يربطهم بالمنبر، وكراسي الوعظ والإرشاد الممأسسة، المكافأة الهزيلة، وعائدها المادي الذي لايسمن ولايغني من جوع؟ أو أنهم عاجزون عن إيجاد مواقع بديلة لتصريف خطاب الشرع المتسم بالوسطية والاعتدال والحكمة؟
إن الرواحل من الدعاة الصادقين لهم مايشغلهم، وإنما يتوسلون بمنبر رسول الله ليكون وسيلة وأداة لتبليغ مقتضيات الوحي الكريم، بقواعد فهمه، وأصول وضوابط إشاعته وإعماله، وعندهم من الأهلية ما يؤهلهم لحسن التبليغ والبيان بوسطية واعتدال يمنعان التنطع والغلو، والتزلف والتمرير للمرجوح من الفهوم والتأويلات، أو التجزيئ والتبعيض لمقتضيات البلاغ المبين.
فهؤلاء هم ملح المنابر ممن ينبغي للوزارة أن تفخر بهم، وتشرُف بانخراطهم في العمل المؤسسي؛ لأن انتقادهم للانحرافات والتجاوزات هو من باب الترشيد والتجويد. والتنبيه، وليس بدافع التمرد ورفض كل جديد.
ويمكن التعويل عليهم لتحصين الناشئة، والمجتمع من نزوعات الفتنة والتمرد والانفلات. إن استبعاد الفضلاء وإقصاءَهم، لايخدم البلد واستقراره وأمنه الروحي والاجتماعي، وهي غايات لاتتحقق بتنميط الخطباء وصدورهم عن رأي واحد ووحيد تقرره الجهة الوصية بفهمها الخاص، وتقديرها المحكوم بموازنات وخلفيات، ومقاصد وغايات معينة؛ إنما تتحقق بقدر من الحرية معتبر، تؤطره كليات وضوابط عامة يستشعرها الخطيب والواعظ اللبيب بما أوتي من حس المسؤولية، وما اضطلع به من مهام تحفظ للمؤسسات مكانتها وحدود صلاحياتها، وللتبليغ حرمته، ومكانته الاعتبارية قوامها قوله تعالى:( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله) وقوله تعالى:( ياأيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته). والله من وراء القصد.




