الداعية الربانيّ والمربّي المجاهد الأستاذ عبد الحي بنعبد الجليل في ذمة الله

أفاقت حركة التوحيد والإصلاح، ومعها الأسرة الدعوية والإصلاحية في ربوع الوطن، صباح يوم الإثنين 10 جمادى الأولى 1447هـ الموافق لـ 03 نونبر 2025م، على نبأ وفاة أحد رجالات الدعوة والتربية والإصلاح في المغرب، الداعية المجاهد الأستاذ عبد الحي بنعبد الجليل رحمه الله تعالى، بعد عمر مبارك قضاه كلّه في نصرة دين الله وخدمة قضاياه، وتربية أجيال من العاملين الصادقين في ميادين الدعوة والعمل الاجتماعي والخيري.
من الرعيل الأول المؤسِّس للعمل الإسلامي
كان الفقيد رحمه الله من السابقين الأوائل الذين آمنوا بالفكرة الإسلامية وبالإصلاح والتجديد، وساهموا في بواكير العمل الإسلامي المنظم بالمغرب منذ عقود، فكان من المؤسسين الأوائل للحركة الإسلامية المعاصرة، ومن رجالاتها الذين جمعوا بين الفكر والتربية والعمل الميداني المتواصل. حمل همّ الدعوة في زمن الشدة، وصبر على طريقها يوم كانت محفوفة بالصعاب، فكان من الدعاة الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
مربٍّ للأجيال وصانع للرجال
اشتهر الأستاذ عبد الحي بنعبد الجليل رحمه الله بأثره التربوي العميق، إذ أجرى الله على يديه تأسيس عدد من الجمعيات التربوية والثقافية التي خرّجت أجيالاً من الشباب العاملين لله، والذين صار كثير منهم اليوم من القيادات الدعوية والجمعوية الشابة في مختلف جهات الوطن. عاش للتربية وبها، وحرص في كلّ عمله على إعداد الخلف الذي يحمل الأمانة من بعده، مؤمناً بأنّ أعظم الصدقات الجارية هي الإنسان الصالح الذي تربّى على الإخلاص والعطاء.
نموذج في العطاء الاجتماعي والخيري
لم يكن الفقيد داعية ومربّياً فحسب، بل كان كذلك ركناً راسخاً في العمل الاجتماعي والخيري، حيث ظلّ إلى آخر أيّامه من أبرز الداعمين والمشرفين على مبادرات رعاية الأرامل والأيتام، ومساعدة الأسر المعوزة، في صمتٍ وصدقٍ ونكران ذاتٍ قلّ نظيره. كان لا يكلّ ولا يملّ، يمدّ يده إلى الضعفاء، ويواسي المحتاجين، ويرى في خدمة الناس باباً من أعظم أبواب القرب إلى الله.
في حبّ القرآن وفلسطين
وإلى جانب رفيقة دربه وشريكة مسيرته الدعوية، الأستاذة فاطمة حبشي حفظها الله تعالى، كان رحمه الله من الفاعلين الأوائل في تأسيس دور القرآن الكريم، ومؤسسات العناية به تحفيظاً وتعليماً ونشراً لقيمه. كما ظلّ قلبه معلّقاً بـقضية فلسطين التي كانت تسكن وجدانه، يدعمها قولاً وفعلاً، ويحدّث عنها الأجيال جيلاً بعد جيل، ويغرس حبّها في نفوس من ربّاهم.
ثبات في البلاء ووفاء في العهد
عانى رحمه الله المرض طويلاً، لكنّ جسده الواهن لم ينل من عزيمته الصلبة، ولا من وفائه لقضايا الدعوة والإصلاح. بقي إلى آخر لحظاته مثالاً في الصبر والرضا، وصدق التوجّه إلى الله تعالى. لم يُعرف عنه إلاّ التبسم وحسن الظنّ بالله، كأنّ روحه تسابق الألم في طريقها إلى الطمأنينة.
وختاما؛ مهما كتبت عن الفقيد فلن أوفّيه حقّه، فقد عرفته وعاشرته وشاركته دروب الدعوة والعمل لأزيد من أربعة عقود، فما رأيته إلاّ مخلصاً صادقاً زاهداً في الدنيا، مقبلاً على الآخرة. أسأل الله تعالى أن يتغمّده برحمته الواسعة، وأن يكتبه في عليّين مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة.
وكما جمعنا الله تعالى معه في هذه الدنيا على طريق الدعوة والإصلاح والعمل الصالح، نسأله سبحانه أن يجمعنا به في الفردوس الأعلى بفضله ومنّه وكرمه. ولنا جميعا عزاء في قوله تعالى:
{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ،
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ، وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.
د. أوس رمّال
رئيس حركة التّوحيد والإصلاح
الإثنين 10 جمادى الأولى 1447هـ / 03 نونبر 2025م




