الرحمة المهداة
الرحمة من صفات النبي صلى الله عليه وسلم وإخوانه المرسلين عليهم الصلاة والسلام، ومن صفات أصحابهم وأتباعهم بإحسان، إلى أن يأتي الله بأمره، وهي من أسباب رحمة الله بالعبد في الدنيا والآخرة”.
قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾
وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)
وقال تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، وقال صلى الله عليه وسلم: (ارحموا ترحموا)، وقال: (لا تنزع الرحمة إلا من شقي).
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الراحمون يرحمهم الله، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يرحم اللهُ من لا يرحم الناس)، وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: “أهل الجنة ثلاثة”… الحديث، وفيه: “ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم”.
قواعد عامة في الرحمة:
1- الرحمة للناس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يرحم الله من لا يرحم الناس” وهكذا فرحمة الله للإنسان مرتبطة برحمة هذا الإنسان للناس ومتوقفة عليها. وكلمة “الناس” تشمل كل عباد الله تعالى، بغض النظر عن الجنس واللون والدين.
2- الرفق: وقد وردت أحاديث كثيرة في الحث على الرفق منها: “من يحرم الرفق، يحرم الخير”.
“إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه”.
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه”، والرفق: هو اللطف واللين وهما من نتاج الرحمة.
3- التيسير: وقد وردت أحاديث كثيرة أيضًا تحض على سلوك طريق التيسير، سواء بالنسبة للإنسان مع نفسه، أو بالنسبة للناس. ومن ذلك.
“إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا..”.
وقال صلى الله عليه وسلم: “يسروا ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا”.
وقالت عائشة رضي الله عنها: “ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه”.
4- الستر: ومن الرحمة الستر على الناس.
قال صلى الله عليه وسلم: “لا يستر عبد عبدًا في الدنيا، إلا ستره الله يوم القيامة”[11].
5- تفريج الكربات: وهذا ميدان رحب واسع تستطيع الرحمة أن تعمل فيه بكل طاقاتها.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه..”.
6- الإحسان: وهو مبدأ عام يدخل كل ميادين الحياة.
قال صلى الله عليه وسلم: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته”.
هذه بعض القواعد العامة التي وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم لتكون من خلال تطبيقاتها وسائل لتحقيق الرحمة في المجتمع الإسلامي.
مشاهد من رحمة النبي صلى الله عليه وسلم:
إنك أنى اتجهت في استطلاع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فإنك واجد الرحمة والرأفة في كل تصرف من تصرفاته، ونختار في هذه الفقرة بعض هذه الأخبار.
1- رحمة الصغار: فقد كان صلى الله عليه وسلم يخفف صلاته عندما يسمع بكاء صبي.
عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إني لأدخل في الصلاة، وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي، مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه”. وهكذا يختصر صلاة جماعة يؤم فيها المسلمين من أجل بكاء طفل.
ودخل أعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة”.
2- الرحمة بالكبار: وأمثلتها كثيرة منها:
عن أبي مسعود الأنصاري قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني والله لأتأخر عن صلاة الغداة، من أجل فلان مما يطيل بنا فيها. قال: فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قط أشد غضبًا في موعظة منه يومئذٍ، ثم قال: “أيها الناس، إن منكم منفرين، فأيكم ما صلى بالناس فليوجز، فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة”.
3- الرحمة بالضعفاء: قال صلى الله عليه وسلم: “السَّاعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار”.
وقال صلى الله عليه وسلم: “أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا” وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما شيئًا.
4- الرحمة بالبنات: ظلت البنات – والنساء بشكل عام – مهيضات الجناح، حتى جاء الإسلام فأخذ بأيديهن، حتى وقفن منتصبات القامة، يبايعن الرسول صلى الله عليه وسلم ويجادلنه، وإنما كان ذلك في ظل ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ ﴾ و﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ… ﴾.
5- الرحمة بالأرقاء: كان الرقيق يعامل معاملة الحيوان حتى جاء الإسلام، فعادت عندئذٍ له إنسانيته.
قال صلى الله عليه وسلم في حقهم: “إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم.، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم”.
وهكذا يرتقي بهم صلى الله عليه وسلم إلى مكانة الأخوة، وفي قوله: “فمن كان أخوه تحت يده” تأكيد لذلك ولفت نظر إلى كيفية التطبيق العملي، فلو كان للإنسان أخ شقيق يساعده في عمله، فكيف تكون معاملته له؟ فهذه مثلها.
6- الرحمة بالحيوان: وإذا تركنا مجال الإنسان وانتقلنا إلى عالم الحيوان، فإن رحمة الإسلام قد شملته كما شملت الإنسان.
قال صلى الله عليه وسلم: “عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار”.
وقال صلى الله عليه وسلم: “بينما رجل يمشي بطريق، اشتد عليه العطش، فوجد بئرًا فنزل فيها، فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له”.
وقد أمر صلى الله عليه وسلم بتقوى الله في الحيوانات فقال – وقد مرَّ ببعير قد لحق ظهره بطنه -: “اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة”.
كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ الحيوانات هدفًا أو غرضًا تسدد له السهام وغيرها.
ذلك بعض ما جاء بشأن الرحمة بالحيوان وقد مرَّ بنا قوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء”.
الإصلاح