سورة القيامة ترد على منكري القيامة – علياء زحل

سورة القيامة من السور العظيمة التي موضوعها كاسمها، قرر الله فيها حقيقة البعث والنشور، وفضح فيها المشككين ورد عليهم وبين فساد معتقدهم من خلال آيات اغلبها إنشائية: قسم واستفهام وتعجب.

اختار الله في البداية أن يقسم بيوم القيامة تعظيما لشأنه – والعظيم لا يقسم إلا بعظيم- ولم يقسم مباشرة بل لوح بالقسم بأن سبقه بنفي حير المفسرين (لا أقسم)، قال سيد قطب رحمه الله: “هذا التلويح بالقسم مع العدول عنه أوقع في الحس من القسم المباشر، وهذا الوقع هو المقصود من العبارة، وهو يتم أحسن تمام بهذا الأسلوب الخاص، الذي يتكرر في مواضع مختلفة من القرآن.. ثم تبرز من ورائه حقيقة القيامة وحقيقة النفس اللوامة.”

(أَيَحْسِـبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) إنه استفهام لكنه في معنى الإنكار.. ويأتي الجواب منه سبحانه حاسما قاطعا كل شك: (بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4).. أي قادرين على ما هو أكثر من مجرد جمع عظامه،  أن نسوي بنانه، أي أن نعيد أطراف أصابعه إلى ما كانت عليه قبل الموت. . ونحن نعرف أن البنان يتضمن البصمة التي هي واحدة من عجائب صنع الله في خلقه حيث لا يمكن أن تتشابه لدى اثنين حتى في حالة التوأم الحقيقي… سيعيدها كما كانت دون أن تختلط عليه، فإعادة الخلق أهون عليه من بدئه كما بين ذلك في سور أخرى من القرآن.

ثم بين حقيقة ما يرمون إليه من إنكار البعث فقال سبحانه: (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ(5).. أي أن غايتهم أن لا يصرفهم شيء عن فجورهم فيمضون فيه قدما (ليفجر أمامه) دون حسيب أو رقيب. . أي أن الباعث لإنكار البعث والنشور هو ما يسمى في عصرنا اليوم: الحرية الفردية لممارسة كل الرغبات والشهوات، فالإيمان ومبادئ الدين التي هي عاصم للمجتمع من الإنحلال هي قيود بالنسبة لهؤلاء هم في غنى عنها.

وقد أعاد الله سبحانه وتعالى التأكيد بأسلوب الزجر (كلاَّ) على أنه لا رغبة لهؤلاء المكذبين إلا في التملص من المسؤولية التي تنبني عن العبودية لله الواحد القهار  : (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) و العاجلة هي الدنيا وشهواتها سميت بذلك لأنها تمضي على عجل… أرادوها لوحدها دون أن تزاحمها الآخرة.

ومن الآيات التي استوقفتني أيضا في السورة قوله تعالى عن هؤلاء المكذبين: (يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) وهذا ليس سؤالا بريئا بل هو سؤال منكر مشكك متعجب مما يزعم أنه تأخر في حصول وعد الله بهذا اليوم.. كأنه يقول: أين هي القيامة التي قلتم أنها ستأتي لقد طال الزمان ولم نر شيئا؟!!! لكن يأتيه الجواب من رب العزة يتضمن زجرا ووعيدا:

(فَإِذَا بَرَقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ).

 أي أن القيامة آتية لا محالة مصحوبة بأهوالها وحوادثها المرعبة، وسيعلمون وقتها أنها حق وأنه لا مفر منها ولا وزر ولا ملجأ ولكن بعد أن يكون فات أوان التصديق وفات أوان الاختبار.

ثم يختم الله هذه السورة باستفهام أيضا: (أَيَحْسِبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) (36) والجواب يدركه العاقل من خلال السؤال فحاشاه سبحانه من ذلك، بل إن العبثية والصدفة غائبة عن تصرفات الله عز وجل، فكلها منطق وكلها حكمة.. ثم استدل الله تعالى على ذلك بعجائب مراحل خلق الإنسان وتسوية خلقته وتحديد جنسه ذكرا أو أنثى مما لا يقدر عليه غيره سبحانه حتى مع تطور العلم الحديث (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ تُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40).

أليس من كسا العظام لحما أول مرة ونفخ فيها الروح قادر على فعل ذلك كرة أخرى؟

بلى ونحن على ذلك من الشاهدين.

والحمد لله رب العالمين.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى