فضاءات المؤسسة ودورها في غرس القيم وترسيخ التعلمات: قاعة الصلاة نموذجا-عبد الحق لمهى

من المعلوم، أن المؤسسة التربوية تضم مجموعة من الفضاءات المتنوعة، من المفروض أن تتضافر أهميتها في توفير راحة المتعلم وتنمية التعلمات وتيسير التواصل التربوي والإنساني بين كل الفئات المرتفقة للمؤسسة والمتعاونة على النهوض بها، فهناك الأقسام.. الساحات.. القاعة المتعددة التخصصات.. مكاتب الإدارة.. مقصف الأساتذة..قاعة الأنشطة والاجتماعات.. الملاعب.. المختبرات..المكتبة..المرافق الصحية.. إلى قاعة الصلاة. ولا يخفى على كل الفاعلين التربويين أهمية كل هذه الفضاءات وفرادتها التي لا تعوض في دعم التعلمات وتحقيق النجاح والاسهام في تفادي السلوكات المشينة التي طالما اشتكى ويشتكي منها الوسط المدرسي.

لكن مع الأسف، وبشكل عام نجد من المعنيين الحرص كل الحرص على توفير كل الفضاءات مما قل شأنه أو كبر إلا قاعة الصلاة في كثير من الأحيان، وكأنها المسكينة اليتيمة الدخيلة على المؤسسات، أو بدون فائدة تذكر، بل ربما رافقتها كل الاتهامات الممكنة وغير الممكنة، مما يجعل وجودها وعدمها عند الكثيرين سواء، رغم أن دليل الحياة المدرسية يتحدث عنها ويؤكد شرعيتها القانونية بشكل واضح (ص….)، ناهيك عن أن لها من الفوائد التربوية ما قد لا يكون لغيرها من الفضاءات، وبالتالي من عبثية التربية والإصلاح أن نحرص على الفتاة الأدنى دون غيره من الجوهر الأعلى، الذي ولاشك مردوديته التعليمية مضمونة والتهذيبة مؤكدة.

قاعة الصلاة، فضاء يذكر التلميذ خاصة بهويته الدينية، ويطمئنه على تربيته الروحية، تضمن له حق ممارسة أهم شعائره الدينية ألا وهي الصلاة في وقتها وهي خير من الدنيا وما فيها، تربية على الممارسة الديمقراطية والتعايش السلمي، من شاء من المتعلمين فليصلي ومن لم يشأ لا يفعل، ولكن لا يحرم غيره من المؤمنين المتعبدين. أضف إلى ذلك العديد من سلوكات المتعلمين الشائنة التي يمكن معالجتها في رحاب هذه القاعة المباركة وفضيلة ما يمارس فيها من الصلاة، قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ” العنكبوت/45. وربما من المنكر ما أصبح يشيع في الوسط المدرسي ويهتك حرمته من ظواهر التأخر والغياب والإهمال.. الشغب والتحرش والغش.. والعنف المتبادل بكل أشكاله اللفظية والجسدية والنفسية.

ظواهر الأخلاق السيئة كعصابات “التشرميل” وشبكات ترويج التدخين والمخدرات.. واصطياد التلميذات للدعارة و”البارتيات” على أبواب المؤسسات ….الغلو والتطرف الديني واللاديني على السواء..فأين سيتعلم متمدرسنا الأمل وتلميذنا الغض الطري..خطورة هذه الظواهر الاجتماعية؟ ممن سيتعلم أحكامها الفقهية ومخالفاتها القانونية؟ وعلى من سيرى الوسطية والاعتدال.. إذا لم يراها ويتعلمها بدء من قاعة الصلاة في المؤسسة؟ وأين سيتعلم التسامح وخشية الله واستحضاره في أمره رقيبا عتيدا، إذا لم يحس له كبير أثر في ما يبشر به من حياة مدرسية ماتعة لا يمارسها، أو على الأصح حالت سياسات وتدبيرات بينه وبين ذلك. أفينبغي بعد كل هذا أن تكون قاعة الصلاة آخر ما يفكر فيه في المؤسسة التربوية؟ وأول من لا يجد أي جهة أو نقابة ترافع من أجلها؟ أو لا ينبغي إيجاد كل الفضاءات اللازمة في المؤسسة التربية على قدم المساواة، حتى الحائط الصور الذي يضمن حرمتها، ومن المؤسسات من في عمرها ثلاثة عقود وأربعة، وتخرجت منها أجيال وأجيال ولازالت المسكينة -رغم مرور كل الإصلاحات- لازالت وكأنها وكر لمن هب ودب من المنحرفين، وممر لكل ذاهب وعائد، لا تتوفر على لبنة واحدة من صور يحميها.

أحيانا قد نتعلل، في عدم توفير هذا الفضاء، بكون المتعلمين لا يقبلون عليه، وهذا تقدير قد يكون صحيحا، ولكن هذا الأمر قد ينسحب على باقي الفضاءات المتوفرة وغير المتوفرة داخل المدرسة.

لذا، أعتقد أن مرجع التقييم الحقيقي لا ينبغي أن يكون مدى الإقبال من عدمه، بل مدى إقامة الصلاة من عدمها. ذلكم السؤال والتحدي والرهان، الصلاة..الصلاة وهي أول  أمر رباني سيحاسب عليه المرء المكلف يوم القيامة، وهي حل تربوي يمكن المتعلمين من تطبيق العديد من التعلمات التي يتلقونها داخل الفصول الدراسية خاصة حول الوضوء والصلاة ومادة التربية الإسلامية وقيمها وفضائلها بشكل عام، وخاصة أيضا التعامل مع الآخرين في الوسط المدرسي الذي هو عبارة عن صورة حقيقية ومصغرة للمجتمع، وما يحدث فيه سلبا أو إيجابا لابد له امتدادات قوية ورجع الصدى في المجتمع، حتى أنه يمكننا أن نقول دون مبالغة لا تسأل عن المجتمع بل عن المدرسة أيهما يفتح قنوات صرفه وسلوكات قومه نحو الآخر؟ وكيفما كان الحال، فإن منظومة تربوية أو تدبيرا إداريا أو خلفية سياسوية ضيعت على المتعلمين صلاتهم فهي لما سواها أضيع، ولا غرابة.

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى