توجيهات تربوية خاصة بالدخول المدرسي

إنّ ما يشغل بال الناس هذه الأيّام خصوصا الآباء والأمهات بعد العيد وانتهاء العطلة الصيفية: الدّخول المدرسيّ،وهوحدث هام ينبغي استغلال وقته لتوجيه الآباء والأبناء إلى حقيقة التّعليم توجيهات على ضوء شريعة الإسلام نراها مهمّة، ولتصحيح بعض المفاهيم؛ فقد لا يفكر أكثرَ النّاس في هذا الحدَث المقبل إلاّ من النّاحية المادية فقط  .

فأوّل ما نبتدئ به: أن نعزي من ذهب عنه فصلُ الصّيف دون أن يغْنَم منه شيئا من الأعمال الصّالحة الباقية، لأنه ضيّعه كاملا دون أن ينتفع منه وسيُسأل عنه يوم القيامة؛ لأنّ أيّام الصّيف والعُطَل داخلةٌ في العُمُر الّذي يسألنا المولى عزّ وجلّ عنه. ولكننا بالمقابل نهنّئُ من اغتنمَه كما اغتنم أيّام السنة في العلم النّافع والعمل الصّالح.

ثم نقول أيّها الآباء:من المهمّ جدّا أن يدرُسَ أولادُكم ليتعلّموا القراءة والكتابة والحساب، وغيرها من العلوم الّتي تنفعهم في دنياهم، لكنّ الأهمّ من كلّ ذلك:أن يتعلّم أولادُكم عقيدتَهم، وأخلاقَهم، فلا تنسوا أن تزاوجوا بين علوم الدّنيا وعلوم الدّين. فأين أنتم معاشر الآباء من قول لقمان لابن:{يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}  [لقمان:13] ؟ وأين أنتم من قوله:{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ، وَلا تُصَاعرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:17-19] ؟أين أنتم من قول النَّبِيّ  صلّى الله عليه وسلّم:( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ) [متفق عليه].

لاشك أن من واجب الآباء الاهتمام الكبير بمستقبل أولادهم و لكن ليس فقط بمستقبلهم الدّنيوي: ماذا يكون هذا الابن أو البنت ؟ في مجال الطب او الهندسة أو المعلوميات  … الخ. و لكن المهم أيضا بل هو الأهم المستقبلَ الأبعدَ والأدوم: المستقبلَ الأخرويّ ! فهلاّ كان تفكير الآباء والأمهات في مصيرِ أولادهم وبناتهم في الآخرة مثل تفكيرهم في مصيرهم في الدّنيا على الأقلّ ؟! وقد قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التّحريم:6].فهل تهتمون معاشر الآباء والأمهات هل أبناؤكم و بناتكم ممّن يقيمون الصّلاة؟ وقد قال صلّى الله عليه وسلّم:( مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ ) [رواه أبو داود].

قال تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]، وقال:{إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ}.فهذه الآيات وغيرُها ممّا جاء في القرآن والسنّة في مدحِ العلم وأهلِه،إنّما معناها العلمُ بالله، وبرسوله، وبدينه؛ فإنّه العلم الّذي يُمدح بإطلاق و إلا فقد حذر صلى الله و سلم بل استعاذ بالله من علم لا ينفع، ليس لا ينفع في الدنيا فحسب بل في الآخرة،فعلوم الدّنيا إن خلت عن مراقبة شرع الله تعالى كانت مذمومةً بإطلاق،أولم يقل سبحانه و تعالى عن أهلها: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}[الروم:7]، إنّ علومَ الدّنيا تكون نافعةً في الآخرة لمن خلُصت نيّتُه وأراد الخير لأمّته ولأهله وسلفُنا الصالح كانوا يحتسبون الأجرَ في النّوم والطّعام فعن الشافعي رحمه الله أنه كان يقول :إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي، فكيف لا نحتسب أجر علوم الدّنيا مع كثرة ما نُنْفِق فيها من أوقات وأموال؟فمن كانت نيّتُه إعزازَ الإسلام و نفع المسلمين وإعدادَ القوّة لمواجهة تيارات فتن العصر  فهذا إن شاء الله من المحسنين مأجور على نيّته وعمله.ومن كانت نيته فقط دنيا يصيبها، أو سمعة يكسبها، فهجرته إلى ما هاجر إليه.فأحسنوا توجيه فلذات أكبادكم نحو النيات الصالحة ولاتفسدوها بالتوجيه نحوالدنيا والمناصب و الجاه والمال فقط.

معاشر الآباء و الأمهات إن كنتم تسعون للشرف و المجد لأبنائكم فنحن ندلّكم على شرف عظيم رغّب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في تحصيله، حيث قال صلّى الله عليه وسلّم:( إِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ، فَيَقُولُ: لَهُ هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ، فَيَقُولُ أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ، وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ.فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا، فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذِهِ ؟! فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ، وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِوَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ ) [رواه أحمد].الله ،الله ، أين شرف الدنيا من شرف الآخرة ؟ أين هذا من ذاك ؟

لا تنتهي مهمّة الآباء بإيصال الأولاد إلى باب المدرسة، كما أنّها لا تنتهي بإدخالهم المسجدَ، بل هناك تبدأ مسؤوليّات أخرى على الآباء ومن ذلك بالإضافة إلى تعليمِهم الأدبَ الواجبَ في المدرسة: الأدبَ مع المعلِّمِين ومع الإدارة، ومع الزّملاء،والأدب في تحصيل العلم،.وإنّ من واجب الأب أن يختار لأبنائه أحسنَ المدارس سُمعةً، ويختار له الوسط الصّالح. وإن لم يفعل فإنه يكون داخلا في معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم: (فأبواه يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، وَيُمَجِّسَانِهِ).- ومن واجب الآباء أيضا: تدارُكُ النّقائص الّتي في المدرسة: في برامج التّعليم كتحفيظ القرآن، وتلقين العقيدة الإسلاميّة، وكذلك عليه أن يُصحِّح لأولادِه المفاهيمَ المغلوطةَ الّتي قد يتلقّوْنَها في المدرسة، وليحذر الآباء أن يجعلوا من موسِمِ الدّخول المدرسيّ موعداً للانقطاع عن المسجد؛ فإنّ ذلك من أعظم الأغلاط، ومظاهر الجناية على الأولاد، وعلى مستقبلهم في الدّنيا والآخرة.

– ومن واجب الآباء التّحذير من الآفات الموجودة في المدرسة الّتي لم يعهدُوها من قبل، وتحذير الأولاد من المفاسد في المدرسة فيوجهوا أولادهم إلى الرُّفقَة الصّالحة فإنّ ” الطّبع لصّ “،و( المَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ )، كما من واجبهم: مراقبةُ الموادِّ الّتي يدرسُها الأولادُ في المدرسة،قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:( كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) [متّفق عليه].

ذ. سعيد منقار بنيس(بتصرف)

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى