تقارير رفع الأعمال إلى الكبير المتعال

الحمدُ لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون، وبعدله ضل الضَّالون، ولحكمه خضع العباد أجمعون، لا يُسألُ عما يفعل وهم يُسألون، لا مانعَ لما وَهَب، ولا مُعْطيَ لما سَلَب، طاعتُهُ للعامِلِينَ أفْضلُ مُكْتَسب، وتَقْواه للمتقين أعْلَى نسَب. بقدرته تهبُّ الرياحُ ويسير الْغمام ، وبحكمته ورحمته تتعاقب الليالِي والأيَّام ، أحمدُهُ على جليلِ الصفاتِ وجميل الإِنعام، وأشكرُه شكرَ منْ طلب المزيدَ وَرَام، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله الَّذِي لا تحيطُ به العقولُ والأفهام، وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه أفضَلُ الأنام ، صلَّى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكرٍ السابق إلى الإِسلام، وعلى عمَرَ الَّذِي إذا رآه الشيطانُ خنس وهَام، وعلى عثمانَ الَّذِي جهَّزَ بمالِه جيشَ العُسْرةِ وأقام، وعلى عليٍّ الْبَحْرِ الخِضَمِّ والأسَدِ الضِّرْغَام، وعلى سائر آلِهِ وأصحابِه والتابعين لهم بإِحسانٍ على الدوام، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: “قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخمس كلمات، فقال: )إن الله -عز وجل- لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يَخفِض القسط ويَرْفَعه، يُرفَع إليه عملُ الليل قبل النهار، وعملُ النهار قبل الليل..). رواه مسلم. اي ترفع الى الله تقارير أعمالنا في كل يوم وليلة .

حديثنا اليوم عن تقارير رفع الاعمال الى الكبير المتعال .

والاسئلة التي سنحاول الاجابة عنا في خطبة اليوم .

كم هي عدد التقارير التي ترفع عنك الى رب العالمين ؟  كيف سترفع تقارير أعمالك ومن يرفعها ؟!

وهل هي تقارير أعمال ترفع لك الدرجات؟! أم أنها تقارير أعمال تستحي أن تعرضها على إنسان مثلك،

فكيف برب الأرض والسماوات  ، الذي خلقك ورزقك وأسبغ عليك نعمه الظاهرة والباطنة؟!

هل هذه التقارير تؤهلك للنجاح والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة؟!

أم أنها تقارير أعمال ظلمت فيها وقصّرت في العبادات وارتكبت المحرمات .

 وسفكت الدماء وناصرت الظلمة وأخذت حقوق العباد دون وجه حق،

 وكذبت وزوت وشهدت شهادة الزور وعققت والديك وقطعت رحمك…

 فإذا كنت كذلك فجدد العزم والتوبة النصوح، واستغل أيامك في طاعته سبحانه قبل أن تنزل بك السكرات، ويفاجئك الموت، وتنقطع الأسباب. واليك أخي عدد التقارير التي ترفع عنك الى رب العالمين .

التقرير الاولقال صاحب فيض القدير : (يُرفَع إليه عملُ النهار في أول الليل الذي بعده، وعملُ الليل في أول النهار الذي بعده؛ فإن الحَفَظة(لملائكة)ا يصعدون بأعمال الليل بعد انقضائه في أول النهار، ويصعدون بأعمال النهار بعد انقضائه في أول الليل)وهذا ما يؤيده القرءان 🙁 وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى اجل مسمى )

التقرير الثاني خاص بيوم الجمعة : (يوم الجمعة تشهده الملائكة ليكتبوا ويسجلوا الذين يحضرون المساجد للصلاة، بل يسجّلون متى حضر فلان؟! ومتى حضر فلان؟! وهناك من لا ينال هذا الشرف بتقصيره وتساهله، وانظروا عندما ترفع تقارير عن الموظفين الى المدير كيف يكافؤ المجدين بالترقية ، وكيف يعاقب المتهاونين بالحرمان منها ، فكيف بمن يرقيه الله -سبحانه وتعالى-!!

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول، ومثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنة ، ثم كالذي يهدي بقرة ، ثم كبشًا ، ثم دجاجة،  ثم بيضة، فإذا خرج الإمام -أي صعد المنبر ليخطب- طووا صحفهم وجلسوا يستمعون الذكر”. البخاري 887.

التقرير الثالث : (ترفع الأعمال إلى الله كل يوم اثنين وخميس من كل أسبوع؛ قال -عليه الصلاة والسلام ( تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ امْرءًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: اترْكُوا -أي: أخروا- هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، اترْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا”. مسلم. وهذا بمثابة التقرير الأسبوعي عنك يا ابن آدم، فأين العمل وأين الحياء من الله؟! وأين المسابقة والمنافسة على الأعمال الصالحة؟! وصدق الله إذ يقول: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء: 47].

وأما التقرير الرابع فهو التقرير السنوي الختامي لأعمالك : (فإنه يرفع في هذا الشهر -شهر شعبان- الذي غفل الناس عن فضائله ومنحه وجوائزه الربانية، فقد شرع فيه جميع أعمال البر من الصدقة وقراءة القرآن والذكر والصيام، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم أكثر أيامه، وعندما سئل عن ذلك أخبر -عليه الصلاة والسلام- 🙁 أنه شهر ترفع فيع الأعمال؛ عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “شعبان بين رجب وشهر رمضان، تغفل الناس عنه، تُرْفع فيه أعمال العباد، فأحب أن لا يرفع عملي إلا وأنا صائم) صحيح الجامع:3711.

وها نحن في شهر شعبان، انطلق منه لحياة جديدة وعام جديد، وهو شهر يستعد فيه العباد لاستقبال شهر رمضان بتهيئة النفوس بالطاعات والعبادات؛ قال سلمة بن كهيل: “كان يقال: شهر شعبان شهر القرّاء”.

وقال أبو بكر البلخي: “شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع”، وقال أيضًا: “مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان، فكيف يريد أن يحصد في رمضان؟!”.

اللهم استعملنا في طاعتك، ووفقنا لعبادتك.قلت قولي هَذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

عباد الله: في هذا الشهر ليلة عظيمة ينظر الحق -سبحانه وتعالى- إلى عباده، فيمُنّ عليهم بالغفران وتتنزل عليهم الرحمات، روى أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (إن الله ليطّلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن)رواه ابن ماجه وحسّنه الألباني في السلسلة الصحيحة 1144.

فالمغفرة والرحمة في هذه الليلة لجميع عباد الله المؤمنين الموحدين إلا من لم يحمل صفتين:

 الأولى خطرها عظيم على التوحيد والعقيدة -وهي الشرك-، وما أكثر الشرك في حياة المسلمين اليوم!! طواف حول القبور، وزيارة السحرة والمشعوذين ، والاعتقاد أن فلانًا من الناس يضر أو ينفع بقدرته، وهنالك من يدعو الأولياء ويطلب منهم قضاء الحوائج، وهناك الشرك الخفي -وهو الرياء في الأعمال والأقوال-، فمن كانت فيه خصلة من الشرك فليتب إلى الله حتى ينال المغفرة والرحمة في هذه الليلة المباركة.

وأما الصفة الثانية التي يحرم صاحبها من عفو الله ومغفرته في هذه الليلة فهي المشاحنة والمخاصمة والعداوة بين المسلمين، بين الآباء والأبناء، وبين الجيران والإخوان، وبين الأصحاب والأصدقاء، وبين القبائل والأحزاب والجماعات، فلماذا لا يعفو بعضنا عن بعض؟! ويسامح بعضنا بعضًا؟! ويتنازل بعضنا لبعض؟! ولنحذر من فساد ذات البين؛ عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ألا أدلكم على أفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟!”، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: “إصلاح ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول: إنها تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين”. صحيح الألباني، غاية المرام 414.

ولنكن ممن قال الله فيهم: (وَالَّذِي جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10].

والعفو خير ما ينفقه الإنسان ويتقرب به العباد؛ يقول تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) [البقرة: 219]. ومن أراد أن يعفو الله عنه فليعفُ عن خلقه، فكم من خصومات بين الناس والأهل والجيران والإخوة!! وكم من قلوب ممتلئة على بعضها البعض بالحقد والغل والبغضاء والحسد!! فلماذا لا يسامح بعضنا بعضًا؟! فهل من عفو يبني به المؤمن عزًا ويرفع به قدرًا لنفسه في الدنيا والآخرة ويحفظ به سلامة مجتمعة وأمنه وازدهاره؟!  عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله”. رواه مسلم.

محمد بنشنوف – داعية وخطيب جمعة

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى