ميثاق غليظ..! – الزهرة الكرش

حين تؤسس الحياة الزوجية على أساس متين ملؤه الحب والدفء ورغبة كل طرف في أن يكون عنصرا فاعلا في نجاح العلاقة حيث لا مكان للحديث عن قوي أو ضعيف ولا منتصر أو مهزوم، فالزوجين ليسا في معركة على أحدهما ان ينتصر على الآخر وإنما هما في شركة يتشارك طرفيها كل يء فيصبحا كيانا واحدا بجسدين.

الزواج ميثاق غليظ عظمه المولى سبحانه (… وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) (21) سورة النساء، ثم جاء الهدي النبوي ليؤكد هذا المعنى ويزيده تعظيما وقداسة حيث يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : “اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ” (صحيح مسلم) ليؤكد أنه “بأمانة الله” و “كلمة الله” كانت البداية وانطلقت المؤسسة، باسم الله العظيم الجبار كان اللقاء واستحلت الفروج، باسم الله جل في علاه تركت تلك الفتاة بيتها  وأهلها ووالدها وكل ما تعودت عليه كل حياتها لغاية تلك اللحظة وانتقلت الى جوارك أيها الرجل فماذا أنت فاعل؟ هل ستكرمها كما أكرمت في بيت أبيها أم ستهينها في تحد سافر للأمانة التي استأمنك ربك عليها. وأنت أيتها الفتاة الجميلة تركت خلفك كل شيء البيت والدفء والحنان والدلال من أجل من ؟ من أجل رجل  أهديته في لحظة أعز ما تملك المرأة “باسم الله وبكلمة الله” فكيف ستبخلين عليه بما دونهما. إنه ميثاق غليظ يزداد سمكا كلما ازداد التمسك بحبل الله ويصبح عرضة للتلف كلما زاد البعد عنه سبحانه.

باسم الله كانت البداية وما أعظمها من بداية، ليستعظم كل طرف هذا الرباط وهذه المؤسسة التي لم تؤسس للاستمتاع فقط وإنما لتكون محضنا ونواة لمجتمع بأكمله، فالأسرة هي اللبنة التي تبنى عليها المجتمعات وتؤسس عليها الحضارات، إنها  مدرسة الأجيال الأولى وغراسها.

يقول سبحانه ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[ الروم 21]، آية من آيات الله أن أنعم المولى سبحانه على الإنسان فأوجد له من  يكمل نقصه ويقوي ضعفه ويكون له سكنا يأوي إليه ويحتمي به ويستظل بظله ويعيش في كنفه، نعمة عظيمة أن تعرف طعم الاستقرار والدفء الأسري، نعمة عظيمة وجب شكرها وأحسن طريقة للشكر هنا هي إيجاد السبيل لتمتين هذا الرباط والمحافظة عليه.

(… لتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) الآية ترسي القاعدة الذهبية للحفاظ على بيت الزوجية، فالبيوت تبنى على ثلاث أسس رئيسية: سكن ومودة ورحمة، فكما نحرص أن يجمعنا السكن المادي لابد ان يكون حرصنا اكبر على السكن المعنوي وأن يحس كل طرف إلى جانب الآخر بالأمن والأمان والطمأنينة فما السكن المادي إلا بيت يؤوينا ونَأمن فيه على أنفسنا وأموالنا وما الزواج إلا رباط يجمعنا ليستدفئ كل طرف بالآخر ويسكن إليه ويحس بالأمان إلى جواره ولو كان لحافهما السماء وفراشهما الأرض. فالأمان مقصد عظيم من مقاصد الحياة الزوجية به يتحقق الاستقرار ويسود السلام وتنزل البركات على البيت وأهله فيتدفق الحب وتنساب المشاعر  ويتودد كل طرف للآخر بجميل العبارة والإشارة وحسن المعاشرة والمعاملة فينعم البيت بالرحمة بل بالرحمات. بيت يؤسس على السكن والمودة والرحمة هو بيت لا تزحزحه العواصف ولا تهده الزلازل لأنه سوي البنية والبنيان.

هي نعم عظمى ينعم الله بها على الزوجين ومن شكر النعمة بذل الجهد للحفاظ عليها ومن بين أهم الأمور التي تساعدنا في الحفاظ على هذا الحب وتلك المودة:

1 – الاحترام المتبادل: فالاحترام يرقى بالعلاقة ويرفعها، فتعود الزوجين على بعضهما واطلاع كل واحد منهما على خفايا الآخر لا يعطي لأحدهما الحق في التنقيص من صاحبه أو هتك ستره. الاحترام قيمة يجب أن تترعرع في بيوتنا وتسقى لتتغذى عليها شجرة الحب وتثمر سعادة تعم البيت كله.

2 – التغافل لأنه فن راق يرقى بالعلاقة ويحفظ الود بين الزوجين ويجعلهما يرتفعان عن سفاسف الأمور، إنه كرم زائد منهما يسد الباب على شياطين الإنس والجن التي تتلصص الفرص لهدم العلاقة وإفسادها، يقول ابن الجوزي: (ما يزال التغافل عن الزلات من أرقى شيم الكرام، فإنّ الناس مجبولون على الزلات والأخطاء، فإن اهتم المرء بكل زلة وخطيئة تعب وأتعب، والعاقل الذكي من لا يدقّق في كل صغيرة وكبيرة، مع أهله، أحبابه، وأصحابه، وجيرانه، وزملائه، كي تحلو مجالسته، وتصفو عشرته).

3 – الابتعاد عن النمل القاتل كما سماه الدكتور جاسم المطوع، فالنون نقد متواصل يعمق الهوة بين الطرفين والميم مقارنة تعمق الشعور بالإهانة لدى الطرف الآخر، فلا وجود للمثالية في حياة الناس وعلاقاتهم لذلك لا نجعل تركيزنا على الجانب المشرق فقط لديهم فما نراه أو نسمعه ليس دائما هو الحقيقة، ثم اللام لوم نبحث به عن التخلص من المسؤولية وإلقاء التبعة باستمرار على الآخر، إن المسؤولية في الحياة الزوجية هي مسؤولية مشتركة والعتاب المتكرر واللوم لا يزيدان العلاقة إلا توثرا.

وبالمقابل لنحرص على ثلاث تاءات للرفع من الطاقة الايجابية داخل البيت والحفاظ عليه :

التاء الأولى هي التجديد المستمر في العلاقة فالبحث عن وسائل تكسر الرتابة وتجدد المحبة يعطي نفسا جديدا للعلاقة بين الزوجين ويزيدها تماسكا.

التاء الثانية هي  التركيز أكثر إن لم نقل دائما على ما هو إيجابي في الآخر، فالتركيز على الجوانب المشرقة يجعل كل طرف ينظر لصاحبه نظرة كلها حب ويزداد تعلقا به فتزداد حياتهما إشراقا.

 والتاء الثالثة تذكرة فتذكر أيها الزوج وتذكري أيتها الزوجة باستمرار أن ما يستدعي منكما كل هذا الجهد وهذا البذل لإنجاح هذه المؤسسة هو ابتغاء وجه الله أولا والدار الآخرة فكلما كان المبتغى كبيرا كلما هانت الصعاب وتجوزت العقبات.

وختاما لا ننسى أن سلاح المؤمن والمؤمنة دعوات صادقة، خاصة في جوف الليل، يرجوان الله فيها أن يجعل بيتهما روضة من رياض الجنة فوق هذه الأرض فيسعدا ويسعدا من حولهما.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى