مفكير يكتب: الحب والعلاقات بين الشباب، المباح والمحظور

أسال موضوع العلاقات بين الجنسين الكثير من المداد وتعددت فيه المقاربات، وهذا ناتج عن منطلقات أساسية يبنى عليه التصور بين مرجعيات متعددة، سواء في تحديد المفاهيم أو العلاقة، فهناك من ينظر إلى مفهوم الحب بإدانته واتهامه وتضييق أمره، ومن ينظر إليه بنظرة شمولية، فيجعله يشمل حب الله والرسول عليه السلام وحب الوالدين والآخرين وربط علاقات بينهم، وحب الجمال والكون وغيره مما يمنحه قدسية وشرفا، وهناك من يضيق فهمه للحب في تقصيره على العلاقة بين الجنسين، ويأخذ هذا المفهوم في المتخيل الشعبي إدانة العلاقة بين الذكر والأنثى لا سيما الشباب واعتباره مدانا وغير مرغوب فيه.

وقد كانت هاته العلاقة بالمغرب بعد الاستقلال علاقة توجس واستنكار من المجتمع وسخرية من الأطفال بالشوارع الذين لا يقبلون بعلاقة بين شابين من جنسين مختلفين  تحت أي مسمى، والأخطر فيها إن تم اللقاء بين شاب وشابة بعيدا عن أعين الناس، مما يستنكره الجميع، مخافة الفضيحة.

ونظرا للتحولات والتطور الذي عرفه المجتمع، بدأت معه  موجة الاختلاط بين الجنسين بالمؤسسات التعليمية، وساهمت أفلام مصرية وهندية  في حقبة السبعينات وما بعدها ( أفلام مدبلجة مكسيكية وتركية..)في تكسير هاته الصورة، يضاف إليه خطر الثورة التكنولوجية التي سهلت التواصل بين الأفراد ومن سلبياتها التحايل على الأفراد حيث يعمد شباب وشابات إلى  انتحال شخصيات وأسماء مستعارة وتبدأ رحلة حب وهمي غايته تلبية حاجيات ورغبات شهوانية والضحك على الذقون، وتنتج عنه كوارث معروفة لدى كل عقل.

وقد نزل الناس في زماننا إلى الشواطئ بلباس البحر ودخلنا في شد الحبل بين إباحة تعرية الجسد وحرية التصرف فيه، واعتبار الأمر منكرا من الناحية الشرعية وأن المرأة عورة ولا يرى منها إلا ما أباح الله لمن هم من المحارم.وامتلأت الشواطئ بنساء يلبسن لباس البحر وبدأت اللقاءات بين الشباب والشابات تأخذ أبعاد وصلت إلى علاقات حميمية نتج عنها علاقات جنسية تبدأ بمقدمات واختلاء، وأصبح إنكارها في الواقع مستبعدا إلا من طرف متدينين جعلوا موقفهم يتمثل في الابتعاد عن أماكن الاختلاط، وزاد من تكسير حواجز العفة بين الجنسين ارتياد فتيات وفتيان ملاعب كرة القدم والمقاهي والتجوال في الشارع العام، ويلاحظ المارة العناق والقبل على جنبات الشاطئ ويطبعون مع هذا التحول، وتطلق عبارات من قبيل ” جاري بها العمل” ” هذا جيل آخر” وغيرها.

وينتصر أصحاب الحداثة إلى تبني حرية الجسد والعلاقات الرضائية بين الشباب والشابات لا سيما الذين تجاوزوا سن الثامنة عشرة لأن الدستور يمنحهم الحق في الترشح والتصويت وأصبحوا أوصياء على أنفسهم ومستقلين، ولهم الحق في اتخاذ ما يرونه ملائما لحياتهم وهم أحرار في ربط علاقات بينهم، بل بدأت المطالبة برفع كل القوانين المغربية التي تجرم العلاقة غير الشرعية إذا كانت رضائية، فيما ذهبت فئة إلى المطالبة بحق المثليين.

وإذا كان موقف الشرع واضحا بالنسبة لعموم المسلمين من تحريم الزنا والخلوة والاختلاط نظرا لما يخلفه من أضرار وما ينتج عنه من أعطاب مجتمعية من قبيل الأمهات العازبات وأبناء غير شرعيين بالإضافة إلى العزوف عن الزواج واستبداله بعلاقة لا تكاليف فيه، والتأثير على سمعة الآباء المحافظين والمنكرين لهاته العلاقات المخالفة للشرع والتي لا يقبلها العقل السليم الذي لا يدرك مقاصد الشارع، فإنه اليوم لا بد من تحرير القول في مفهوم الحب سواء بين الشباب والشابات أو غيرهم، فالحب قيمة من القيم النبيلة التي من مرتكزاتها الحفاظ على من نحب لا أن نعبث به ونلبي رغبة شهوانية في لحظة أو لحظات، وحينما نرغب في الزواج نبحث عن شابة عفيفة بلغتنا ” بنت دارهم”، فما قيمة الحب بين شابين يعيشان لحظة وهم تفضي إلى أعطاب وجراح وعقد نفسية وتخلف آثار سلبية على الأفراد والمجتمع.

سنكون متعسفين إذا غيبنا في تحليلنا للواقع رؤيتنا الدقيقة لمفهوم الحب ونوع العلاقة التي تجمع بين الجنسين وهي تحتاج منا إلى جهد في التحسيس والتوجيه والتربية الجنسية تقوم بها المؤسسات بدءا من مؤسسة البيت والمدرسة والجامعة والإعلام والمجالس العلمية وجمعيات المجتمع المدني.

ومهما تكن منطلقاتنا والاختلاف في مقاربة الموضوع ورؤيتنا للعلاقة بين الشباب والشابات ومفهوم الحب، فإن الجميع متفقون بالضرورة أن علاقة الحب هاته بما هي عليه اليوم تعتريها الاختلالات وتنتج عنها الأعطاب المجتمعية التي يصعب معالجتها.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى