ما بعد رمضان

عشنا مع شهر الخير والمكرومات أجواء إيمانية ربانية رائعة تغذت فيها الأرواح بما تيسر لها من السمو والرقي والتجرد، ولا شك في حصول التفاوت بين خريجي مدرسة الصيام، فيما نالوه من وحدات تهم الإخلاص والإيمان والتقوى، وتهم الصلاة بفرائضها ونوافلها وقيامها وتهجدها، وتهم عبادة الصيام في حد ذاتها، وتهم الإنفاق والزكاة حيث ختمت عبادة الصيام بزكاة الفطر التي عمت المكلفين وغيرهم، وهمت انتعاش العمرة في رمضان، وهمت جوانب الأخلاق من صبر وحبس النفس عن اللغو والرفث وشهادة الزور، وهمت العناية بكتاب الله، وإعمار بيوت الله.

ومن سنة الله في الفرائض التي فرضها على عباده أن أحاطها بسياج من السنن والنوافل، فعبادة الصيام لا تنحصر في شهر رمضان، ولا في أنواع الصيام المفروض بالنذر أو الكفارات، وإنما هناك صيام التطوع الخاص بالأسبوع وآخر يخص الشهر وثالث يخص مناسبات سنوية.

ومن المناسبات الأسبوعية صيام يومي الاثنين والخميس، وذلك لحديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: تُعرض الأعمال يوم الاثنين والخَميس، فأحب أن يُعرض عملي وأنا صائِم رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. وإذا زاد حماس العبد فيمكنه صيامُ يوم وفطر يوم، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم لابن عمر: وصُم يوماً وأفطر يوماً، فذلك صيام داود، وهو أفضل الصِّيام، قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك، فقال: لا أفضلَ من ذلك متفق عليه.

ومن المناسبات الشهرية صيام ثلاثة أيام من كل شهر لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صومُ ثلاثة أيام من كل شهر، صوم الدهر كله متفقٌ عليه. وفي حديث أبي ذر يحدد هذه الأيام بأنها الأيام البيض، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.

موعظة آخر جمعة من رمضان: زكاة الفطر وصلاة العيد وصلة الرّحم(الدّكتور أوس رمّال)

وأما المناسبات السنوية فتبدأ مباشرة بعد شهر رمضان، أي صيام ستة أيام من شوال لحديث رَسول الله صلى الله عليه وسلم: من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال، كان كصيام الدهر رواه مسلم. وصيام الأيام التسعة الأولى من ذي الحجة لِحديث حفصة: أربعٌ لم يكن يَدعهن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: صيام عاشوراء، والعشر – أي من ذي الحجة – وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة. رواه أحمد والنسائي.

وصيامُ يوم عرفة لغير الواقف بعرفة بالحديث: صوم يوم عَرفة يكفِّر سنتين ماضية ومستقبلة، وصوم يوم عاشوراء يكفِّر سَنة ماضية، رواه الجماعة إلّا البخاري. وصيام شهر المحرم، وذلك لحديث أبي هريرة قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال: الصلاةُ في جَوف الليل ، قيل: ثم أي الصِّيام أفضل بعد رمضان؟ قال: شهر الله الذي تَدعونه المحرَّم رواه أحمد ومسلم وأبو داود. و صيام عاشوراء وهو اليوم العاشر من المحرم بالحديث: إن هَذا يوم عاشوراء، ولم يُكتب عليكم صيامُه، وأنا صائم، فمن شاء صام ومن شاء فليفطر متفق عليه.

ويُسنّ للمسلم صيامُ يوم قبله ويوم بعده أو أحدهما مخالفة لليهود، ولحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن بقيتُ إلى قابل – العام المقبل – لأصومنَّ التاسِع – أي مع العاشر رواه مسلم.

ومن السنن الصيام في الأشهر الحرم، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجلٍ من باهلة: … صم من الحرم واترك صم من الحرم واترك صم من الحرم واترك .. رواه أبو داود، والأشهر الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرَّم، ورَجب.

ومن ذلك صيام أكثر شعبان، لحديث عائشة: ما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم استكملَ صيام شهرٍ قط إلّا شهر رمضان، وما رأيتُه في شهر أكثرَ منه صياماً في شَعبان. رواه البخاري

د. محمد بولوز

 

 

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى