كيف تكون حياة المسلم كلها لله؟

من السهل أن نجد من يصلي أو من يجعل نسكه وما يذبحه من الأنعام قربة وعبادة لله سبحانه وتعالى؛ ولكن من منا قد جعل حياته ومماته وحركاته وسكناته وأقواله وأفعاله لله؟ فإذا سئلت: هل تحب الله؟ ستكون الإجابة سريعة واضحة، ومن منا لا يحب الله؟ ولكن الحب بالأفعال؛ لا بالأقوال وحدها، والمحب الحقيقي لله سبحانه وتعالى هو من يطبق ما جاء في هذه الآية: ” قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ “.

ويعرف أثر عبادتك وحبك لله من قدوتك ومن تحب ومن تكره؛ فإذا كانت حياتك لله، فحبك لشخص إنما يكون بناء على علاقته بالله؛ فلا تحب من أعلن عداوته للإسلام مهما بلغ أعلى منازل الدنيا، فهو وإن علت منزلته عند أهل الدنيا، فلا يُساوي عند الله جناح بعوضة.

وإذا جعت أكلت من حلال، وإذا شبعت حمدت الله على نعمته، وتذكرت حال الفقير الجائع، فبادرت بالصدقة والإطعام

وتراقب مزاحك وضحكاتك، فلا تقول إلا حقا، ولا تلمز، ولا تهمز، ولا تتلفظ بإهانة – ولو على سبيل المزاح – فلسانك لا ينطق إلا طيبا في جدك وهزلك، وفي رضاك وغضبك.

وتتقلب في نومك، فتذكر الله، ثم تكمل نومك، كل شيء تسمعه أو تراه أو يمر بك، تقف عنده متأملا، يذكّرك بنعم الله وفضله فتحمده، أو تأخذ منه عظة فتعتبر، يقربك من الله، وينبهك إذا غفلت، وحدت عن الطريق يوما.

إذا سرت في مكان سبقك عبير أخلاقك، وجميل صفاتك، وكيف لا وخلقك القرآن؟!

هذا هو المسلم ينبض قلبه بحب ربه، فتسارع جوارحه لتعبر عن ذلك الحب أينما حل، وكيفما كان، تتسابق الكلمات على لسانه ليذكر الناس بخالقهم، يراه الناس وكأنه قرآن يمشي على الأرض، يود لو شعر الناس برياض الجنة التي تنعم بها روحه، فكن مثله تفز ورب الكعبة بخيري الدنيا والآخرة.

إن من بديع صنع الله تعالى وعجيب قدرته في هذا الكون الفسيح الذي نشاهده – أنه متماسك ومترابط، ومتوازن ومتآلف في كل صغيرة وكبيرة وحركة وسكون، بشكل دقيق، فالتوازن سنة من سنن الحياة، وعنصر مهم للغاية في كل شيء، وسر من أسرار البقاء في الفضاء والمجرات، والكواكب والنجوم، وعالم الحيوان والنبات، والبحار والأنهار، والحياة البشرية والعلاقات الإنسانية.

قال تعالى: ﴿ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 3]؛ أي: “جعل لكل شيء وقتًا ومقدارًا، لا يتعداه ولا يقصر عنه”؛ كما قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، قال البغوي: قال الحسن: قدر اللهُ لكل شيءٍ منْ خلقه قدرَه الذي ينبغي له.

والمسلم مطالب بالتوازن والاعتدال في حياته اليومية، من التوازن بين العبادات والمباحات، وبين حقوق الأهل والعمل، وبين الراحة والتعب، وبين الحياة الفردية والاجتماعية، وبين الشدة والرأفة، والمزاح والجد، ودعوة الناس بالحكمة وقوة الدليل، والتوازن في الحب والكُره، وبين النقد وروعة الأسلوب، والتوازن بين قول: “نعم”، و”لا”، وبين العمل الدنيوي والحرص على الآخرة، وبين المبادرات وردود الأفعال.

ومن فوائد التوازن أن يسعد الإنسان في حياته، بعيدا عن الكآبة والضجر، والإحباط والملل، ويعيش حياة هادئة سمحة راضية متفائلة، ذات أمان داخلي وخارجي، وأن يسيطر بإذن الله تعالى على الحالة النفسية السيئة والقلق الناتج عن إخلال التوازن في عجلة الحياة.

وحتى نستمتع بالتوازن المناسب لا بد أن نراجع حساباتنا في جوانب الحياة كافة، وعلى رأسها الجانب الديني أو الروحي، أو علاقتنا بالله تعالى والتزامنا بدينه؛ دون أن نغفل بقية الجوانب للحياة من الجانب الاجتماعي والأسري وعلاقتنا بالأهل وذوي الأرحام، والجانب العقلي وعنايتنا بالثقافة والمعرفة، كذلك الجانب المالي، فنسترشد فيه بقوله تعالى: ” وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا”، ولا ننسى الجانب الصحي أو الجسدي، والمهني أو الوظيفي، وذلك بأن نعطي كل جانب حقه ووقته، ونراعي التوازن، فكل ما زاد عن حده انقلب إلى ضده كما تقول الحكمة، وكما ورد في الحديث الصحيح: (إن لربِّك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ).

وقد كان سلفنا الصالح يحرصون على حفظ أوقاتهم وأيامهم فيما يرجع عليهم بالفائدة في الدنيا والآخرة، فهذا أبو الوفا بن عقيل – رحمه الله – يقول: “إنِّي لا يَحل لي أنْ أضيع ساعةً من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن المذاكرة، وتعطل بصري عن المطالعة، أعملت فكري في حال راحتي، وأنا منطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره”.

وكان ابن الجوزي – رحمه الله – إذا دخل عليه مَن يظن فيه تضييع وقته، كان يشغل نفسه بالقيام ببَرْيِ الأقلام، وقص الأوراق حتى لا يضيع وقته.

وقال ابن مسعود – رضي الله عنه -: “ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي”.

وقال ابن القيم – رحمه الله -: “إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأنَّ إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها”.

وقال الحسن البصري: “لقد أدركت أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشدَّ حرصًا منكم على أموالكم”.

س.ز / الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى