فلولي يكتب: مشروع تعديل القانون الجنائي والنقاش المطلوب

لازال مشروع القانون رقم 10.16 الذي يقضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي يراوح مكانه بمجلس النواب المغربي منذ سنة 2016، من خلال تأجيل مناقشته والمصادقة عليه من طرف لجنة التشريع وحقوق الإنسان رغم الإعلان عدة مرات عن أجل لتقديم تعديلات الفرق والمجموعات النيابية.

وفي كل مرة يتم تمديد الأجل ليتضح أن هناك خلافا بين الفرق البرلمانية وعدم اتفاق على مجموعة من المقتضيات الواردة في المشروع الحالي بالرغم من أهميته وراهنيته.

حدة النقاش الذي عرفه مشروع القانون المذكور لقي اهتماما وصدى في المجتمع والإعلام، لاسيما فيما يخص بعض مقتضياته المرتبطة أساسا بموضوع الحريات الفردية التي ظهرت بشكل جلي من خلال النقاش العمومي الذي عرفته وسائل التواصل الاجتماعي أساسا، من خلال قضايا جنائية شغلت الرأي العام ولعل قضية توفيق بوعشرين وهاجر الريسوني خير مثال على ذلك.

وظهر فيما يلي كأن النقاش كان موجها وممنهجا، في هذا الموضوع، وتعددت مصادره وآراؤه لاسيما بعد إصدار المجلس الوطني لحقوق الإنسان لمذكرة أقل ما يمكن القول بخصوصها أنها مثيرة للجدل بخصوص رأيها في مشروع القانون الجنائي، حيث تطرقت وأثارت موضوعا لم يرد بشأنه أي تعديل، ويتعلق الأمر هنا برفع التجريم عن العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج بين الراشدين.

ولئن كان موضوع الحريات الفردية يعتبر من القضايا الكبرى التي تحتاج إلى فتح نقاش موسع وموضوعي بين كل الأطراف والأطياف قصد بلورة تصور عام متوافق عليه من شأنه تأطير ممارسة الحريات الفردية بشكل بعيد عن السياسوية الضيقة والعدمية؛ فإن الملاحظ أن مقتضيات أخرى من مشروع القانون المذكور، أكثر أهمية ،عرفت نقاشا باهتا وسطحيا رغم وقعها المباشر على المواطن والصالح العام، ومنها التنصيص على “جريمة الإثراء غير المشروع” أو الإثراء بدون سبب ومسألة التصريح بالممتلكات، والتي تعد من المقتضيات المهيكلة التي جاء بها مشروع القانون الجنائي وربما تكون السبب الأساسي لعدم المصادقة عليه، بناء على ما يرد من أصداء حول كواليس النقاش والمدارسة.

فقد نصت المادة 256 من الفصل الثامن  من مشروع القانون الجنائي على أنه: “يعد مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع، ويعاقب بغرامة من 100.000 إلى 1.000.000درهم كل شخص ” ملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات طبقا للتشريع الجاري به العمل ثبت بعد توليه للوظيفة أو المهمة أن ذمته المالية أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح عرفت زيادة كبيرة وغير مبررة انطلاقا من التصريح بالممتلكات الذي أودعه المعني بالأمر بعد صدور هذا القانون، مقارنة  مع مصادر دخله المشروعة، ولم يدل بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة”.

بغض النظر عن الملاحظات التي يمكن إبداؤها حول مدى قدرة هذا التعديل على وقف الإثراء بدون سبب باعتباره يركز على آليتين فقط وهما إجبارية التصريح بالممتلكات ورصد الزيادات والتغيرات الطارئة وغير المبررة على ممتلكات الموظف العمومي، إلا أن اعتماد هذا التعديل يشكل سابقة ومؤشرا على إرادة سياسية لتخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد وتبديد المال العام ومحاربة استغلال المنصب لتحقيق مصالح شخصية من خلال طرق غير قانونية.

لذلك فالمطلوب من كل القوى والتيارات الإصلاحية المدنية والسياسية والنقابية، الهادفة والتي ترفع شعار العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات، الانخراط القوي في مدارسة وإبداء الرأي في هذا الموضوع باعتباره بمثابة إغلاق باب من أبواب الفساد، وإصلاحا جوهريا مرتبطا بالسؤال الذي يطرحه كل مواطن مغربي هضمت حقوقه وهو: أين الثروة ؟ ومن أين لك هذا؟ وبالتالي تعزيز واحد من المداخل المهمة لمحاربة الريع وتفعيل المبدأ الدستوري المرتكز على ربط المسؤولية بالمحاسبة.

في هذا الإطار فإن جمعيات المجتمع المدني مدعوة– بشكل أساسي- للعمل على تفعيل الآليات القانونية والاختصاصات الدستورية الجديدة التي كفلت له، قصد إقرار تشريع كفيل بمحاربة الفساد ومن جهة أخرى للمزيد من التفاعل والترافع القوي، وإطلاق مبادرات وفعاليات متنوعة لممارسة حقها المدني والإسهام بالتالي في تعزيز الثقة في المؤسسات سواء الرسمية منها أو غير الرسمية.

رشيد فلولي عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى