رسالة بخصوص النموذج التنموي الجديد – حسن المرابطي

أعلم أن الجدل الحاصل حول النموذج التنموي المغربي بعد خطاب العرش لم يتوقف، وأظهر لنا أن الاهتمام بالشأن العام والسياسة العامة للدولة ما زال قائما ومن طرف الجميع، وهذه رسالة إيجابية يجب استثمارها من الجهات الرسمية لاسيما من طرف رئاسة اللجنة المكلفة بإعداد النموذج التنموي الجديد، وذلك لوجود أمل عند الجميع في إحداث تغيير إلى الأحسن رغم كل الخيبات التي شهدتها بلادنا في العقود الماضية، بل يكفينا شاهدا على ذلك اعتراف أعلى سلطة في البلاد المتمثلة في شخص ملك البلاد بفشل كل المحاولات السالفة وعدم مواكبتها للتطور الحاصل في البلاد والعالم أجمع.

لهذا وجب الإدلاء ببعض الكلمات بخصوص النموذج التنموي الجديد قبل الشروع في إعداده من اللجنة المختصة، ذلك إيمانا منا بضرورة المشاركة وإبداء الرأي في الوقت المناسب حتى يتحصل الشرف بالمساهمة في أمر يهم بلادنا وأمتنا، بل للتعود في المساهمة والمشاركة في ما يخص بلادنا من طرف جميع المواطنين والمواطنات، فقد يوجد من الأفكار والرؤى عند عامة الناس ما يفتقد عند خاصة الخاصة من مدبري الشأن العام.

بعد النظر في واقع المغرب ومحاولة فهم سياسته العامة، يصعب علينا تحديد رؤية واضحة المعالم حتى إن بدا ذلك من خلال رفع الشعارات هنا وهناك؛ ولعل أهم مؤشر يؤكد ذلك عدم قدرة كل السياسات المطبقة جعل المغرب وجهة سياحية أو منطقة فلاحية أو صناعية، بل منذ الاستقلال لم يشهد المغرب تحقيق اكتفاء ذاتي بخصوص مواد أساسية مثل الحبوب رغم اعتبار الفلاحة أهم نشاط يمارس ويُولى الاهتمام الرسمي، وهكذا مع كثير من الأمور وعلى جميع المستويات، حيث تشهد كل القطاعات نقصا حادا وتعثرا يشهد به الجميع بما فيهم المؤسسات الرسمية.

لكل هذا وتطبيقا لقاعدة وصف الداء نصف العلاج، يتحتم على اللجنة السالفة الذكر أعلاه العناية بجانب التشخيص قبل الإدلاء بأي اقتراح مهما بدا مغريا، وبكل تأكيد سيقابل هذا النصح بالاستغراب ونوع من السخرية لما راكم بلادنا من دراسات وأبحاث تهم الجانب التشخيصي، منها ما هو منجز من جهات رسمية وغير رسمية، لكون الكل مؤمن بأهمية هذه المرحلة، لكن الواقع يكذب كل ادعاء بالاعتماد على النتائج المحصل عليها، بل يثبت أن السياسة الممنهجة لا تعدو أن تكون ردات فعل وتصرفات مزاجية للأشخاص تفتقد للبعد الاستراتيجي ومنهج التخطيط السليم، ويكفينا من الشواهد عدم تحقيق الاكتفاء الذاتي في أهم المواد الأساسية كما أشير أعلاه، أضف إلى ذلك هجرة الأدمغة أصحاب الشواهد العليا والتخصصات العلمية المتنوعة بعد فقدان أملهم في إيجاد منصب يليق بتخصصات تم اعتمادها في الجامعات المغربية وبتشجيع من الجهات الرسمية، أما إن تحدثنا في طريقة التعامل مع الأولويات كما تم تحديدها فلا نجد من الوصف إلا التعثر والإصابة بالتيه وعدم معرفة الأولويات من الكماليات.

لذا قبل الحديث عن أي نموذج تنموي جديد يقتضي الإعلان عن تحديد محاور أساسية وفق رؤية واضحة المعالم، لابد من التأكيد على ضرورة الاستفادة من الأخطاء التي صاحبتنا منذ الإعلان عن استقلال البلاد وخروج المستعمر الفرنسي والاسباني. ولعل أهم خلق يجب الاتصاف به، سواء قبل البدء في عملية الإعداد أو خلالها وبعدها، هو الشجاعة والجرأة.

اعلم أن السياسة وتدبير الشأن العام في أمس الحاجة اليوم إلى الاتصاف بالشجاعة والجرأة أكثر من أي شيء آخر، ذلك أن القرارات السياسية مهما كانت أهميتها إلا أنها تحتاج لنوع من الشجاعة والجرأة لما يحمله القرار السياسي من مغامرة، فكيف إن تعلق الأمر بإعادة النظر في سياسة الدولة بشكل عام كما طالب بذلك صاحب الجلالة وذلك بإعداد صياغة نموذج تنموي جديد. ولعل أهم مرحلة متشوقة للاتصاف خلالها بالشجاعة والجرأة هي مرحلة التشخيص لأنها المحدد لما بعدها، لأن تحمل النتائج المتوصل إليها تحتاج إلى قلب شجاع يستطيع بكل جرأة تجاوز الصدمة للتفكير في إيجاد الحلول، أما من يواسي نفسه ويبحث عن أمور ليطمئن بها، والاعتماد على بعض الخطوات الشكلية والنسب الإيجابية رغم ضعفها، لا يعدو أن يكون شخصا غير طموح ألف العيش على الفتات إن لم نقل أنه أصيب باليأس، واليائس لا يرجى منه خير.

أما ما يخص مرحلة التنظير والتخطيط ومدى نجاحها يتوقف على نجاح المرحلة المتعلقة بالتشخيص، حيث أن الشجاعة والجرأة لن تظهر في مرحلتنا هذه إن غُيبت في المرحلة السابقة، ما يعني أن إخراج قرارات حاسمة في قضايا المجتمع لتحقيق التنمية المنشودة ستعرف تخبطا مثلما عرفته قرارات سابقة، وهكذا سيكون انتظار التغيير من الغباوة لأن نفس الأسلوب لن يُحصل إلا نفس النتائج. وكل هذا يأخذنا للحديث عن العنصر المهم في الأخذ بزمام الأمور لنجاح كل محطات إعداد النموذج التنموي لبلادنا المتمثل في العنصر البشري وبالأخص رئيس اللجنة المعنية والأعضاء الممكن انتقاهم للعمل سويا.

ربما يمكن الجزم بانقسام المهتمين عند الحديث عن اللجنة وأعضائها إلى صنفين، صنف مؤيد وكنا ننتظر تأييده، وصنف معارض ولم نشك في اعتراضه ولو قبل الحديث عن أي لجنة أو شخصية لقيادة اللجنة. لكن المنطق السليم يقتضي منا بناء المواقف عن بينة مهما كانت موافقة لغيرنا أو مخالفة له، فكيف إن تعلق الأمر بمصير بلادنا؟ لذا ما يجب التركيز عليه هو نمط العقلية الذي سيتولى قيادة إعداد النموذج التنموي وليس الشخص أو الأشخاص، وهذا لا ينفي تأثير الشخص إما سلبا أو إيجابا، لكن تجربة المغرب أثبتت أن تغيير الأشخاص تكرر في أكثر من تجربة ولم تتغير النتائج، ما يعني أن الحكمة تقتضي تغيير شيئا آخر غير الأشخاص وهي نمط التفكير والعقلية.

إذن اعتمادا على كل ما سبق يمكن تسجيل بعض الملاحظات وتوجيهها إلى كل شخص يرى نفسه معنيا بالمساهمة في إعداد النموذج التنموي الجديد وعلى رأسهم السيد شكيب بنموسى، إضافة إلى التحلي بالشجاعة والجرأة التي سبق الحديث عنهما.

تأتي في البداية ضرورة إعادة النظر في عقلية ومنهجية العمل لاسيما أن السيد شكيب بنموسى قد سبق له الاشتغال بمؤسسات الدولة وفي مناصب جد حساسة مثل وزارة الداخلية وأهل مكة أدرى بشعابها كما يقال. أما في المرتبة الثانية فلابد من ضرورة الاشتغال  بحس وطني بعيدا عن كل تأثير خارجي، مع عدم مقارنة حالتنا بحالة دول الاتحاد الأوربي أو ما شابهها لأنها تنتمي لثقافة غير ثقافتنا، إضافة إلى سبقنا في الجوانب التقنية بمراحل وفي ظروف غير ظروفنا. وفي الأخير وجوب الاستعانة بحكمة الشيوخ وعدم إهمال ذكاء الشباب دون إغفال الكفاءات الوطنية ذات القدرة على التضحية من أجله لأنها المحدد لإنتاج نموذج تنموي بحس وطني لا يقبل الفشل.

وفي الختام، لابد من الإشارة إلى أمر يهم النموذج التنموي الجديد من الناحية الموضوعية، حيث إن الإجماع كاد يحصل بين كل الفرقاء والمنظمات بوجوب تدارك الزمن للالتحاق بركب الحضارة والتطور الحاصل في العالم، وبأن أهم شيء يجب الاعتناء به حدد في جانبين: الأول يتمثل في الإنسان وثقافته حتى لا يصاب المرء بالتيه وسط زمن العولمة، والثاني في الجانب الصناعي الذي يوفر استقرارا اقتصاديا وفرص شغل دائمة. ومن البيّن أن تحقيق التميز في الجانب الثاني يتعذر حصوله بأسرع وقت في خضم المنافسة الشرسة والعالم كله إنتاجات وإبداعات،  لكن صناعة التميز في الجانب الأول المتعلق بالإنسان لو تحقق لسهل تحقيق التميز في الجانب الثاني، وهذا هدف ليس ببعيد على من يحب وطنه ويؤمن بالإنسان والحوار.

أتمنى أن أكون قد بلغت ما أراه مناسبا بالشكل المفهوم واللغة السليمة، كما أدعو الله عز وجل استبدال اليأس بالأمل، والنقد بالبدائل.

أخبار / مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. لجنة غالبية أعضائها من الفرنكفونيين ورجال الأعمال لا يمكن أن يخططوا للمغرب العميق وللفئات الفقيرة والمعوزة وأحياء الهشاشة وأحزمة الفقر….الله غالب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى