حديث الكبار عن اللغة العربية – عثمان كضوار

كثر الحديث اليوم عن اللغة العربية بين إعمالها وإهمالها ، ولاجرم أن  أي  كلام غير مثبت بحجج إنما هو مجرد خرف ، فقد تعلمنا ونحن نتلقى المعرفة  عن شيوخنا وأساتذتنا ، أن النقل يلزم صاحبه الصحة  كما أن الادعاء يقتضي الأدلة والبرهان ، وأن الفهم للألفاظ والمباني  قد يدرك بتحديد ماهيته من خلال معانيه ، أو من خلال تحديد نقيضه ، فالأشياء أحيانا تفهم من خلال أضدادها ونقيضها  من زاوية المقارنة .

عثمان كضوار

فالحديث عن اللغة العربية من جهة منزلتها بين باقي اللغات ، احتاج من ذوي الاختصاص إلى مقاربة تاريخية وسياقية ، أبانت عن قوة اللغة العربية وسمو مكانتها ، وبالمقابل ضعف اللغات التي يصطلح عليها ب” الحية ” ولعل الاسم له أكثر من دلالة .

ونود من خلال هذه الإطلالة أن نسوق دراسة لأحد رموز اللغة العربية  الأستاذ الدكتور عبد المجيد الطيب عمر – أستاذ بمركز اللغة الإنجليزية في جامعة أم القرى في مكة المكرمة – جمع بين التمكن من اللغات الأجنبية و عمق تفقهه للغة العربية ، فكان حديثه عن اللغة العربية ومنزلتها بين اللغات ، بمثابة حجة على من يهرف بما لا يعرف ، فعندما يتحدث الكبار ذوو الحكمة والعلم والبيان ، لا يلزم من الصغار إلا السمع والامتثال ، وإلا عد جاهلا ، حيث يكون قصده االنزاع بخلفية مبيتة.

فيذكر فضيلة الدكتور في سياق حديثه عن تاريخ اللغة العربية ،أنها قد  نزلت بكاملها  وعرفتها أقوام ، وهذه الأقوام كما قال عنها ابن فارس ” مجموعة من سكان  الحزيرة العربية من ذوي الأفامي الشفيفة ، فاستحفظوها ” نحن في التاريخ نعرف ما يسمى بالعرب البائدة ، قوم عاد وثمود وهي قبائل عربية بائدة ، وهو تاريخ موغل تماما في القدم ، وهو يثبت بذلك أن الكل قديما كان حديثهم باللغة العربية ، ويثبت ذلك من خلال تحديده لمفهوم اللغة العربية ، ، وهناك كلمة بسيطة نرجع إليها ونقف عندها  وهي اللغة العربية ، فكلمة اللغة العربية أو اللغة العربية هي ليست لغة العرب ، إنما معناها اللغة العربية الواضحة المبينة ، نذكر في قوله تعالى : ” لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ” – سورة النحل الآية 103  وقوله تعالى : ” إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ” سورة يوسف الآية 2 ، فكلمة عربي هنا معناها اللسان العربي المبين الواضح فقط ، وليست نسبة إلى العرب فتحدثوها فسموا عربا ، وهذه حقيقة يقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ” إنما العربية اللسان ”  ، فالعربية ليست عنصرا ،  العربية ليست عرقا ، العربية ليست انتماء إقليميا ولا انتماء محليا ، إنما العربية اللسان ، وكل من يتحدث اللغة العربية فهو عربي ، وهذه نقطة مهمة مذكورة في القرآن الكريم ، فحينما تقرأ قوله تعالى : ”  وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ” سورة إبراهيم الآية 4 ، فالسؤال الذي يبقى دائما ، إلى من أرسل محمد صلى الله عليه وسلم ؟ لقد أرسل  إلى الجن والإنس  ،  إذن هذا لسان الإنسانية ، اللغة العربية هي لسان الإنسانية بمفهوم هذه الآية القرآنية الكريمة ، واللغويون المحدثون على رأسهم ” نعوم تشومسكي ” وهوشيخ اللغويين المحدثين ، يتحدث على أن الإنسان يولد بنظام فطري سماه ” الملكة اللغوية ” وقال أن هذا النظام هو نظام مثالي ، مولود به الإنسان بفطرته محفورة في ذهن الإنسان يوم أن يولد ، ولكن حينما يتعرض إلى مجتمعات لغوية أخرى فإنه يتحدث لغة هذه المجموعة في البناية الداخلية سماها – structure Deep – وهو نظام لغوي  مثالي هذا كلام ” نعوم تشومسكي “- Ideallinguistic system-.

وقد بحثت في هذه الدراسة لكي أجد نظاما مثاليا لأطبق عليه نظام ” نعوم تشومسكي” ، فلم أجد نظاما يمكن أن تنطبق عليه إلا نظام اللغة  العربية الشريفة .

وهي مسائل مثبتة لدينا ، وإلا فلماذا تآكلت لغات الدنيا وبقيت اللغة العربية ، فالطفل عندنا لما يصل المستوى الابتدائي يفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي يتجاوز عمره 1400 سنه ، ونحن في ” بروفيسيرية الانجليزية ” لا نستطيع أن نفهم لغة القرن الرابع عشر ، أليست هذه مفارقة حقيقية ؟ الفرنسيون على ما لديهم من حضارة ومعرفة اللغة ، اللغة الفرنسية المفهومة هي لغة القرن 14 ، ولا قبل ذلك شيء ، واللغة العربية إذا نحن تحدثنا عن الأمة نجدها تكاد  من أضعف الأمم عموما – وهو شيء مؤسف و مؤلم – لكن تظل هذه اللغة حية محفوظة طرية تؤدي مطلوبة الدهر والحاضر ، كما لا تؤديه أي لغة أخرى على ظهر الأرض ، وعجز اللغات الأخرى عن المعاني والمفاهيم بصورة واضحة ، مسألة شهد عليها أهل اللغات أنفسهم ، فقبل عشرين سنة تمعنوا في لغاتهم ونظروا فيها ، فوجدوا أنها غير قادرة على أداء كافة المطلوبات التواصلية اليومية ، وحاولوا أن يبتدعوا نظاما جديدا اسمه  Esperanto-   –  نظام لغوي جديد ، واستمرت هذه المحاولة لأكثر من عقد من الزمان ، وأنفق عليها أكثر من عشرين مليون دولار ، وفشلت هذه العملية وترك هذا- Esperanto-     ، فقلت لهم اتركوا هذا النظام واتركوا هذه المحاولات ، وتعالوا إلى هذه اللغة الفطرية ، وعلى كل حال استطعنا نحن أن نبين ما في هذه اللغة من سمات وقيم ، ومن أشياء تتفرد بها ، فاستطعنا ،  وإن لم نستطع فسيستبدل الله قوما غيرنا، وقد يأتي الفتح لهذه اللغة العربية من قوم غيرنا ، وهذه سنة الله في الأرض .

ذ عثمان كضوار  27/8/2019م

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى