تواج يكتب: صلاة التراويح في البيوت آداب وأحكام

الحمد لله بالمحامد كلها في كل وقت وحين، له الفضل الكبير والثناء الحسن، والصلاة والسلام على نبينا المصطفى وعلى كل من سبيله اقتفى. أما بعد،

ونحن على أبواب شهر رمضان الفضيل، ننتظر بشوق أن يهل الله علينا هلاله، ونحن في صحة وعافية من كل داء وبلاء، والحال أن مساجدنا مغلقة، لن تقام فيها لا فريضة ولا تراويح هذا العام، لكن ذلك لا يمنعنا من إقامة صلاة التراويح في بيوتنا كما كان يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

صلاة التراويح سنة نبوية:

إن صلاة التراويح  في شهر رمضان قرية عظيمة وسنة نبوية، ،فقد ورد عن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه ذَكَرَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: “شَهْرٌ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، وَسَنَنْتُ لَكُمْ قِيَامَهُ” سنن ابن ماجه. وهي بالإضافة إلى عبادة الصوم من أهم ما يميز شهر رمضان. قال الحافظ ابن رجب: (اعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه: جهاد بالنهار على الصيام, وجهاد بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين، ووفّى بحقوقهما، وصبر عليهما، وفّى أجره بغير حساب).[1]

 وقد ورد عن أَبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه أنه قال:  كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُرغِّبُ في قيامِ رمضانَ من غير أنْ يأمرَهم فيه بعزيمةٍ، فيقولُ: (مَن قامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تَقدَّمَ مِن ذَنبِه ).متفق عليه ، وكان الناس يصلون قيام رمضان في بيوتهم و في المساجد متفرقين، ويصلي مع الرجل الإثنان أو الثلاثة. كما في حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ أَوْزَاعًا  يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ، فَيَكُونُ مَعَهُ النَّفَرُ الْخَمْسَةُ أَوْ السِّتَّةُ أَوْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرُ، فَيُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً مِنْ ذَلِكَ أَنْ أَنْصِبَ لَهُ حَصِيرًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي، فَفَعَلْتُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ – وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ – فَرَأَى النَّاسُ شَخْصَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: (فَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ قِرَاءَتَهُ)،قَالَتْ: فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ، فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلًا طَوِيلًا – وَالنَّاسُ يَأْتَمُّونَ بِهِ مِنْ وَرَاءِ الْحُجْرَةِ).[2]

والنبي صلى الله عليه وسلم صلى تراويح رمضان منفردا في بيته، وصلاها جماعة مع أهله، والدليل على ذلك حديث النُّعْمَان بْنِ بَشِير رضي الله عنه قَالَ: صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم رَمَضَانَ، فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنْ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعُ لَيَالٍ، فَقَامَ بِنَا لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ ،حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ قَالَ: لَا أَحْسَبُ مَا تَطْلُبُونَ إِلَّا وَرَاءَكُمْ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا فِي السَّادِسَةِ، وَقَامَ بِنَا فِي الْخَامِسَةِ، لَيْلَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، فَقُلْنَا لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ نَفَّلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ ، فَقَالَ: إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ، ثُمَّ قَالَ: لَا أُحْسَبُ مَا تَطْلُبُونَ إِلَّا وَرَاءَكُمْ، ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ بِنَا حَتَّى بَقِيَ ثَلَاثٌ مِنْ الشَّهْرِ، ثُمَّ قَامَ بِنَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَأَرْسَلَ إِلَى بَنَاتِهِ وَنِسَائِهِ وَحَشَدَ النَّاسَ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلَاحُ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنْ الشَّهْرِ .قَالَ النُّعْمَانُ: وَكُنَّا نَدْعُو السُّحُورَ الْفَلَاحَ.)[3]

هل صلاة التراويح في البيوت أفضل أم في المسجد؟
ذهب الإمام مالك والشافعي إلى أن صلاة المنفرد في بيته في رمضان أفضل.ففي كتاب الأم للإمام الشافعي:في قيام رمضان قال: (وسألت مالكا عن قيام الرجل في رمضان أمع الناس أحب إليك أم في بيته ؟ فقال: إن كان يقوى في بيته فهو أحب إلي، وليس كل الناس يقوى على ذلك، وقد كان ابن هرمز ينصرف فيقوم بأهله، وكان ربيعة وعدد غير واحد من علمائهم ينصرف ولا يقوم مع الناس، قال مالك: وأنا أفعل مثل ذلك)[4] .
ومن أدلتهم على ذلك:
1 – فعل النبي صلى الله عليه وسلم من قيامه في بيته.
2 – حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه في قيام رمضان: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ حُجْرَةً مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِي، فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ« قَدْ عَرَفْتُ الَّذِى رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ ).ويظهر أن  سبب ورود قول النبي صلى الله عليه وسلم (فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ) هو صلاة التراويح، عندما أنتظر الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم في الليلة الثالثة فلم يخرج لهم)[5] .
3 – اقتصار رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة في بيته على مسجده على ما في مسجده من الفضل. وكان يقول: «صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا، إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ»[6]  فكيف بصلاة غيره في غير مسجده. فلا شك أن فضل أدائها في البيوت أولى.
4 – ظاهر فعل خلفاء الصحابة؛ إذ كان عمر وعلي رضي الله عنهما يأمران من يقوم للناس في المسجد، ولم يرد عنهما أنهما كانا يقومان مع الناس.
5 – فعل جماعة من السلف بانصرافهم وعدم قيامهم مع الناس، منهم ابن عمر وسالم والقاسم وإبراهيم ونافع.

قال ابن عبد البر: (واختلفوا في الأفضل من القيام مع الناس والانفراد في شهر رمضان، فقال مالك والشافعي: صلاة المنفرد في بيته في رمضان أفضل ، قال مالك: وكان ربيعة وغير واحد من علمائنا ينصرفون ولا يقومون مع الناس ، قال مالك وأنا أفعل ذلك وما قام رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا في بيته).[7]

متى تترجح صلاة التراويح في الجماعة؟

قد تكون صلاة التراويح في البيت أفضل في حالة، وفي المسجد أفضل في حالة، وهذا مذهب المالكية وبعض الشافعية وبعض الحنفية.

وفي شرح الخرشي على مختصر خليل المالكي:(والجماعة فيها(أي صلاة التراويح) مستحبة لاستمرار العمل على الجمع من زمن عمر، والانفراد فيها طلبا للسلامة من الرياء أفضل، والمراد بالانفراد فيها فعلها في البيوت ولو جماعة، هذا إن لم تعطل المساجد، فإن خيف من الانفراد في التراويح التعطيل فالمساجد أفضل.)[8]
واشترط المالكية في تفضيل أداء التراويح في البيوت شرطين:
1 -ألا يؤدي ذلك إلى تعطيلها بالمساجد، فإن خيف من الانفراد بالتراويح التعطيل فالمساجد أفضل.

2  -ألا يكسل الإنسان عنها وتفتر همته لفعلها في بيته، وإلا ففعلها في المسجد أفضل.

قال النووي: (قَالَ أَصْحَابُنَا : الْخِلافُ فِيمَنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ ، وَلا يَخَافُ الْكَسَلَ عَنْهَا لَوْ انْفَرَدَ، وَلا تَخْتَلُّ الْجَمَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ لِتَخَلُّفِهِ، فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُ هَذِهِ الأُمُورِ فَالْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ بِلا خِلافٍ)[9]
والحق أن كثيرا من الناس، في زماننا هذا، لا يحفظون القرآن أو ما يسعفهم بالصلاة به، ولا يحسنون تلاوته.

مزايا صلاة التراويح في البيوت:

– أداؤها في البيت هو عمل في السر حيث لا يطلع عليه أحد، وذلك أدعى لحصول التجرد والإخلاص لله تعالى والبعد عن الرياء.

عن صالح المري رحمه الله قال: سأل رجل الحسن البصري رحمه الله، فقال: يا أبا سعيد هذا رمضان أظلني، وقد قرأت القرآن فأين تأمرني أن أقوم وحدي أم أنظم إلى جماعة المسلمين فأقوم معهم؟ فقال له: إنما أنت عبد مرتاد لنفسك، فانظر أي الموطنين كان أوجل لقلبك وأحسن لتيقظك فعليك به).[10]

– فرصة لإطالة الصلاة والقراءة :

عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا صلّى أحدُكم للناس فليُخَفِّف، فإن فيهم الضعيفَ والسقيمَ والكبيرَ، وإذا صلّى لنفسِه فليُطَوّل ما شاء” صحيح سنن ابن ماجه.

– فرصة للاستغراق في الدعاء والتضرع إلى الله والتذلل إليه والبكاء بين يديه.

-إعانة أهل البيت على إقامة صلاة التراويح في رمضان. إذا كان فعلها في البيت سبباً في نشاطهم وتأديتهم لها مع رب البيت.

ومادامت صلاة التراويح نافلة، فإن الإنسان ينظر أيهما أصلح له، فلعلَّه إذا صلى في بيته أطال القراءة، وحصل له انشراح ولذة مناجاة و زيادة إيمان.
حكم ختم القرآن في صلاة التراويح:

الأفضل في القراءة في صلاة التراويح أن يختم فيها القرآن مرة، وقد يستدل لذلك بما ثبت في الصحيحين من مدارسة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان ، وعرضه عليه . يمكن أن يفهم من ذلك أن قراءة القرآن كاملة من الإمام على الجماعة في رمضان نوع من هذه المدارسة لأن في هذا إفادة لهم عن جميع القرآن. 

 فكون الإمام يقرأ جزءاً من القرآن في صلاة التراويح كل ليلة بحيث يقرأ حزبا في كل ركعة بغرض الختم في التراويح لا يعتبر بدعة، لأن الختم المذكور مستحب عند أصحاب المذاهب الأربعة، ولا حرج في تحديد ما يقرأ في كل ركعة.

 (ويُندَب عندهم أن يختم الإمام القرآن الكريم في تراويح الشهر كلّه؛ ليستمع مَن يُصلّي إلى القرآن كاملاً، ولم يُحدّدوا مقدار القراءة في كلّ صلاة)[11] .

 وكان عليه الصلاة والسلام يُنوّع في القراءة في صلاة القيام؛ فيقرأ القصير، ويقرأ المُتوسّط، ويقرأ الطويل، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ المُقَنْطِرِينَ)[12]. وتخفيف الإمام على المُصلّين في التراويح أمر مطلوب في الشرع ومرغب فيه. وعلى من صلى قائماً لنفسه فليطّول ما شاء وكذلك إذا كان معه من يوافقه، وأما إذا صلى إماماً فعليه أن لا يطيل بما يشق على من وراءه ، لحديث «إِذَا مَا قَامَ أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفِ الصَّلَاةَ فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ، وَفِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَإِذَا قَامَ وَحْدَهُ فَلْيُطِلْ صَلَاتَهُ مَا شَاءَ»[13].

وسعيا إلى التزام التوسط في القراءة صح عن عمر أنه دعا القراء في رمضان، فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ ثلاثين آية، والوسط خمساً وعشرين آية، والبطيء عشرين آية. [14]
وجاء في “المدونة”[15]: “وقال مالك: وليس ختم القرآن في رمضان بسنة للقيام”، ولعلَّ إمامنا مالكًا رحمه الله  قصد التزام الختم واشتراطه.
وأرجع الإمام الأبي أمر  ختم القرآن إلى العرف فقال: “الختم ليس بسنة ما لم يكن العرف الختم، كالعرف اليوم في مساجد تونس؛ فلا بد من الختم حتَّى لو كان الإمام لا يحفظ فيستأجر من يحفظ؛ لأنَّ العرف كالشَّرط”)[16]. والمشهور من المذهب أنَّ الختم سنَّة، قال خليل في “المختصر” عاطفاً على بعض المستحبات: “والختم فيها، وسورة تجزئ”[17]، وهناك من أرجع الختم إلى رغبة المصلين واستعدادهم النفسي فقال: “فالمستحب أن يسمع الناسَ جميع القرآن في صلاة التراويح إن رضوا بذلك[18]

ولا شك أن قراءة القرآن من أفضل القربات إلى الله عز وجل، فلا أقل من أن يسمع المسلم كلام الله تعالى مرة في السنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وأمَّا قراءة القرآن في التَّراويح فمستحبٌّ باتفاق أئمة المسلمين، بل من أجلِّ مقصود التراويح قراءة القرآن فيها ليسمع المسلمون كلام الله؛ فإنَّ شهر رمضان فيه نزل القرآن، وفيه كان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن”.[19]

وقت صلاة التراويح:

يمتدّ وقت صلاة التراويح من صلاة العشاء، إلى طلوع الفجر الثّاني، من كلّ ليلةٍ من ليالي رمضان، ويُفضّل تأخيرها إلى آخر الليل لمن تيسر له ذلك لحديث «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ»[20] .

وكذلك لأنّه وقت النزول الإلهي إلى السماء الدنيا، كما ثبت في صحيح البخاريّ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام قال: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له)، ولِما في ذلك الوقت من الخشوع والسكينة، والتدبّر لآيات الله تعالى.

قراءة القرآن في صلاة التراويح من المصحف:

من أفضل القربات والطاعات أن يجمع الإنسان بين الحُسنيين: الصلاة، وقراءة القرآن، فيحرص على ختم القرآن الكريم في صلاته، ولما كان من غير المتيسر لكل واحد أن يقوم بذلك من حفظه تكلم الفقهاء عن إمكانية الاستعانة بالقراءة من المصحف في الصلاة، وذلك عن طريق حمله في اليد، أو وضعه على حامل يُمَكِّن المصلي من القراءة.

فلا حرج في القراءة من المصحف في قيام رمضان ، لما في ذلك من إسماع المأمومين جميع القرآن ، ولأن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة قد دلت على شرعية قراءة القرآن في الصلاة ، وهي تعم قراءته من المصحف وعن ظهر قلب ، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها أمرت مولاها ذكوان أن يؤمها في قيام رمضان ، وكان يقرأ من المصحف) [21].

وقال ابن وهب: قال ابن شهاب : ” كان خيارنا يقرءون في المصاحف في رمضان “[22]

وسئل الزهري عن رجل يَقرأ في رمضان في المصحف فقال: مازالوا يفعلون ذلك منذ كان الإسلام، كان خيارنا يقرؤون في المصاحف. )[23]

وقال النووي: “لو قرأ القرآن من المصحف لم تبطل صلاته سواء كان يحفظه أم لا ، بل يجب عليه ذلك إذا لم يحفظ الفاتحة, ولو قلَّب أوراقه أحيانا في صلاته لم تبطل …… هذا مذهبنا ومذهب مالك وأبي يوسف ومحمد وأحمد. “[24]

وقال سحنون: وقال مالك : لا بأس بأن يؤم الإمام بالناس في المصحف في رمضان وفي النافلة . قال ابن القاسم : وكره ذلك في الفريضة )[25].

وأما اعتراض من اعترض على ذلك بأن حمل المصحف وتقليب أوراقه في الصلاة حركة كثيرة فهو اعتراض غير صحيح، لأنه قد ثبت أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا وَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا؟» [26] ، فحمل المصحف في الصلاة ليس أعظم من حمل طفلة في الصلاة .

ويظهر مما ذكر أن القراءة في الصلاة من المصحف جائزة عند المالكية، ولكن محل ذلك هو في التراويح والنوافل، أما في صلاة الفرض فمكروهة، لكن الصلاة صحيحة، وكذلك جائزة عند الشافعية والحنابلة كالمالكية في الجواز في النفْل والكراهة في الفرض مع صحة الصلاة.

لأن المقصود أن يقرأ كتاب الله في هذه الصلوات، وأن يستفيد من كلام ربه عز وجل وليس كل أحد يحفظ القرآن، أو يحفظ السور الطويلة من القرآن فهو في حاجة إلى أن يسمع كلام ربه.

ومما ينبغي التنبيه عليه حفاظا على حرمة المصحف، الحرص على وضعه على شيء مرتفع يكون أمام المصلي، فإذا قام من السجود أخذه ولا يضعه في الأرض؛ لأن احترامه متعين، فإذا تيسر وضعه على منضدة ثابتة كان أحسن وأفضل.

عدد ركعات التراويح:

صلاة التراويح في رمضان لم يُحدد النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيه عددًا معينًا من الركعات، بل كان صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا في غيره على ثلاثَ عشرةَ ركعةً، لكن كان يُطِيل القراءة والركعات، وكان أُبَي بن كعب يُصلِّي بهم عشرين ركعة لمَّا جمعهم عمر رضي الله عنه، ثم يوتر بثلاث.

والمشهور من مذهب المالكية ما روى الإمام مالك في “الموطأ”، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ: “كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً”.؛ قال العلامة الدردير[27] (والتراويح) برمضان (وهي عشرون ركعة) بعد صلاة العشاء، يسلم من كل ركعتين غير الشفع والوتر. (و) ندب (الختم فيها): أي التراويح، بأن يقرأ كل ليلة جزءًا يفرقه على العشرين ركعة.)

 ومع تخفِيف القراءة يندب الزيادة في عدد الركعات؛ لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة.

وسواء كان عدد ركعات صلاة التراويح إحدى عشر ركعة أو ثلاثة عشر ركعة أو ثلاثة وعشرون ركعة أو ستة وثلاثون ركعة أو أربعون ركعة، فإنه كله جائز، فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه، فقد أحسن، والأفضلُ يختلف باختلاف أحوال المصلِّين. والقيام بعشرين ركعة هو الأفضل، وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين، فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين.

قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر رحمه الله: ( قد أجمع العلماء على أن لا حدّ ولا شيء مقدّراً في صلاة الليل، وأنّها نافلة، فمن شاء أطال فيها القيام وقلّت ركعاته، ومن شاء أكثر الركوع والسّجود)[28].
وقال القاضي عياض رحمه الله: (ولا خلاف أنه ليس في ذلك حدّ لا يزاد عليه ولا ينقص منه، وأنّ صلاة الليل من الفضائل والرّغائب التي كلّما زيد فيها زيد في الأجر والفضل؛ وإنّما الخلاف في فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم وما اختاره لنفسه).[29]
وقال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله 🙁 وليس في عدد الركعات من صلاة الليل حد محدود عند أحد من أهل العلم لا يتعدى، وإنما الصلاة خير موضوع وفعل برّ وقربة، فمن شاء استكثر ومن شاء استقل، والله يوفق ويعين من يشاء برحمته لا شريك له ).[30]

دعاء استفتاح صلاة التراويح:

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ: «اللهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»[31]
سُنَّة اتخاذ مسجد في المنزل:

ليس بالضرورة أن يكون المسجد الذي يُتَّخَذ في البيت منفصلاً عن البيت، أو له غرفة خاصة؛ إنما المقصود تخصيص مكان في البيت يكون مَحِلاًّ للصلاة، وإعطاء هذا المكان شكل المسجد ببعض الترتيب البسيط، وجاءت هذه السُّنَّة في أحاديث كثيرة، منها:

– عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ببناءِ المساجد في الدُّور وأن تنظف وتُطيَّب) يفيد هذا الحديثُ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أذِن أن يبني الرجل في داره مسجدًا يصلي فيه أهل بيته ويتنفَّل فيه، ينظفه ويعطره؛ لأن البيت هو المكان المفضل للنافلة.

– عَنْوَن البخاري لذلك، فقال: باب المساجد في البيوت، وصلَّى البراء بن عازب في مسجد في داره جماعةً، ثم ساق حديث عتبان بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، وفيه: (وَدِدتُ يا رسول الله أنك تأتيني فتصلِّي في بيتي، فأتَّخِذه مصلًّى)؛ الحديث.

– عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَالَتِي مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقول :

أَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ حَائِضًا لَا تُصَلِّي، وَهِيَ مُفْتَرِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ، إِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ).صحيح البخاري.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : (والظاهر : أن مراد ميمونة في هذا الحديث مسجد بيت النَّبيّ صلى الله عليه وسلم الذي كانَ يصلي فيهِ من بيته ؛ لأن ميمونة لا تفترش إلا بحذاء هذا المسجد ، ولم تُرِد – والله أعلم – مسجد المدينة) [32] .

ولا شك أن وجود مثل هذا المسجد في البيت سيُعطي الراحة النفسية للمُصَلِّي، كما سيكون مكانًا لتعليم الأطفال الصلاة، أو الاجتماع على قراءة القرآن، كما أنه سيُبْرِز اهتمام الأسرة بالصلاة. والحمد لله رب العالمين.

خالد تواج – مسؤول قسم التربية المركزي لحركة التوحيد والإصلاح

[1] لطائف المعارف، ص:183.

[2] صحيح سنن أبي داود، باب صلاة الرجل التطوع في بيته.

[3] صحيح سنن أبي داود، باب قيام رمضان.

[4] المدونة الكبرى 1:193.

[5]  صحيح البخاري، باب صلاة الليل.

[6] صحيح سنن أبي داود باب صلاة الرجل التطوع في بيته..

[7] الاستذكار 2/70.

[8] شرح مختصر خليل للخرشي،4/324.

[9] المجموع” (3/526).

[10] مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر، ص: 231.

[11] منح الجليل شرح مختصر جليل، صفحة 342، جزء 1.

[12] صحيح سنن أبي داود، باب تحزيب القرآن.

[13] صحيح مسلم، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة.

[14] رواه عبد الرزاق في “المصنف” (4/261/7731) والبيهقي (2/497) .

[15]  (1/ 288).

[16]  مواهب الجليل” للحطاب (2/ 71).

[17] مختصر خليل،(ص 39).

[18] حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني لرسالة ابن أبي زيد القيرواني (1/ 462)

[19]  مجموع الفتاوى،(23/ 122).

[20] صحيح مسلم، باب من خاف ألا يقوم من آخر الليل.

[21] صحيح البخاري معلقاً مجزوماً به . وابن أبي شيبة (2/338).

[22] المدونة، (1/224).

[23] المدونة الكبرى، (1/ 288 – 289)، والمغني لابن قدامة  (1/335).

[24] المجموع، (4/27).

[25] المدونة، (1/224) .

[26]  صحيح مسلم، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة.

[27]  الشرح الصغير بحاشية العلامة الصاوي، (1/ 404-405).

[28] الاستذكار، (5/ 244).

[29] إكمال المعلم، (4/ 48).

[30] التمهيد(13/214.)

[31] صحيح مسلم، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه.

[32] فتح الباري في شرح البخاري، لابن رجب (1/550) .

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى