بعد نصف قرن؛ الريسوني يتحدث عن ذكرى إحراق المسجد الأقصى

وقفتُ قبل قليل على نصٍّ عجيب لأوجست مولييراس (Auguste MOULIERAS) صاحب كتاب “المغرب المجهول” من ترجمة د.عز الدين الخطابي.. يتحدث عن اللغة العربية باعتبارها مدخلا رئيسا من مداخل فهم المغرب وسائر العالم الإسلامي.. وهذا النص يبرز همة القوم وجلدهم في طلب العلم لأنفسهم وخدمةً لأمتهم، فمكنوا لها في بلادنا بما كان من قصة نعرفها جميعا ونعيش عقابيلها البائسة إلى اليوم. يقول في الجزء الأول (وعنوانه الفرعي “الريفيون”، والعنوان الفرعي للجزء الثاني “جبالة”):

“إن معرفة العربية وحدها توازي معرفة أكثر من عشرين لغة. وإليكم الحجج على ذلك: فدراسة الأدب العربي تعتبر من الأمور الصعبة، إلى درجة أن الشيوخ المتفقهين يعترفون صراحة بعجزهم عن مسايرة العدد الكبير من الألفاظ الجديدة التي يلقونها في كل صفحة؛ وينضاف غياب الحركات وعلامات الوقف وغياب الكتابة بحروف كبيرة Majuscules إلى الغنى المعجمي لهذه اللغة، وهو الغنى الذي يتجاوز كل ما يمكن للمخيلة الأكثر عطاء أن تحلم به. فنحن نصاب بالدوار أمام رقم 12 مليون و305 ألف و412 كلمة التي يشملها القاموس العربي. كما أن المترادفات لا تعد ولا تحصى تقريبا. وقد صادف الباحث المجتهد “دوهامر” (De Hammer) 5744 كلمة ذات علاقة بالجمل Chameau، ووجد العالم اللغوي فيروزآبادي ثمانين مرادفا لكلمة عسل، وألف مرادف لكلمة سيف. كما أن كلمة مصيبة تشتمل على أكثر من 400 مرادف. ويمكن لفقيه في اللغة Philologue أن يؤلف كتابا حول أسماء الأسد التي يبلغ عددها 500. وقد كانت كلمة ثعبان التي بلغ عددها 200، موضوع بحث أحد المولعين بالإحصائيات. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، إذ تصل صعوبة هذه الدراسة إلى ذروتها عبر تضمن كل كلمة لمعاني عديدة ومنتاقضة. وكأن عبقرية جهنمية وجدت متعتها في جعل هذه اللغة عبارة عن لغز أبدي. ومعلوم أن محاولة تجميع كل لهجات شبه الجزيرة العربية في قاموس واحد قد تسببت في حدوث الفوضى.
ولا تتوفر العربية الدارجة على الغنى المحير للأدب، لكنها تقدم مع ذلك وفرة من المترادفات، ربما لا توجد بنفس الدرجة في أية لهجة أخرى.
ومنذ حوالي ربع قرن من دراستي لها، استطعتُ أن أدرك بأن كلمة من كلمات العربية الدارجة تتضمن في المعدل ثلاثة مرادفات […] ولأنني مقتنع بان العمل الدؤوب سينتهي بنا إلى بلوغ مستوى العرب المتعلمين على الأقل -وهذا أمر جميل في حد ذاته- فإنني أسمح لنفسي بالإفصاح عن أمنية تتعلق بالدراسات العربية التي عرفت الإهمال بفرنسا والجزائر.

فلتقدم الدولة من أجلها أكبر التضحيات لأننا سنكسب عن طريقها حب العرب والمسلمين في العالم أجمع؛ وسنتعرف على نمط تفكير المجتمع المحمدي وعلى رغباته؛ لأن مساعدة هذا المجتمع لنا تعتبر بالغة الأهمية.. ولنطبق وصية رسول الإسلام إلى أتباعه والتي جاء فيها: “من علم لسان قوم أمن مكرهم” […] ويمكن أن نغامر بكل جرأة داخل كل جزء داخل المغرب متنكرين في زي طلاب مجتهدين، مستعدين مسبقا للتعب والحرمان […] وأنتم أيها الفرنسيون الشباب المقبلون على السفر إلى المغرب عليكم ان تستحضروا دائما هذه الحقيقة التي تم تجاهلها لمدة طويلة: وهي أن كل المستكشفين الأوربيين قد فشلوا وسيفشلون في العالم الإسلامي بسبب جهلهم باللغة العربية” أ.هـ

__أوجست مولييراس – “المغرب المجهول: ج1. اكتشاف الريف” / ترجمة وتقديم د.عز الدين الخطابي – ص 15 و16 – منشورات تفراز ن اء ريف / طبعة 2007

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى