المساجد وحكاية طفل هوايته “يوتوبرز” – الحبيب عكي

“محمد أمين”، طفل مغربي يافع، له هواية تبدو شيئا ما غريبة، لكنها هوايته والهوايات أذواق واهتمامات وممارسات، هوايته أيها السادة وهي أن قلبه معلق بالمساجد، وعلى عكس كثير من أقرانه، فهو لا يكاد يسمع آذان المسجد في أي وقت من الأوقات، إلا وترك زملائه في لعبهم يلعبون في الشارع وأطلق الخطى إلى مسجد الحي قصد الصلاة في وقتها ومع الجماعة، حتى إذا انتهت الصلاة بركوعها وسجودها وتكبيرها وتسليمها ودعائها وخشوعها، تملى كثيرا في أوجه المصلين وما تلوه من آي الذكر والقرآن وما نهلوا منه من الراحة والاطمئنان، وتملى أكثر في هندسة المسجد وكيف بالمنبر في محرابه، وكيف امتلأ بالأعمدة على طوله وعرضه وفي الأعلى تشابكت وتعاضدت على ثقله أقواسها، وكم بالسقف من ثريات نحاسيات مضيئات متلألئات نورهن يملأ كل المكان، وعلى الأرض سجاد طالما تعبد عليه العابدون وسجد عليه لربهم الساجدون، وكلما خرج “أمين” من المسجد رفع عينيه إلى السماء نحو المأذنة الشامخة وقال:”شموخا أيتها المآذن”؟؟

سأله أحدهم يوما وهو يعرف صلته الوثيقة بالمسجد وقربه من كل جماعة المؤذن والفقيه والواعظ  والخطيب والمحفظ والمحاسب، وحرصه على التقرب منهم والاستئناس بهم و خدمتهم ومساعدتهم والاستفادة منهم، فقال له:”لا شك أنك ستصبح إماما عالما عندما تكبر ويستفيد الناس منك كثيرا إن شاء الله”؟؟،فرد عليه اليافع وكأنه يعرف أن الواقع لن يسعفه في ذلك فقال:”لا أعتقد، أن الأئمة العلماء سيبقون إلى ذلك الحين، ثم إن مهمة الإمام العالم تتطلب كثيرا من الجهد في التفقه في الدين والتعلم في الحياة..في القراءة والكتابة والفهم والحفظ.. في الشجاعة والجرأة في الخطابة..أنا لا أطيق كل ذلك، لذا قررت أن أصبح فقط “يوتوبرز”..”يوتوبرز” شاب مغربي.

نعم،طفل يافع “يوتوبر” مغربي، وسأفتح قناتي على “اليوتوب” وأضع فيها المحتوى الذي أريده، وأوجهه إلى الفئات التي أريدها، دون قيد أو شرط أو رقابة إلا من نفسي، دون إتباع الهوى أو الخروج عن المذهب والإجماع ولكن إذا صح الحديث وحسن فهو حسن صحيح، سأصبح مشهورا بإذن الله كالنار على الهشيم، وفوق ذلك سأربح الكثير من النقود من Google Adsns أضعاف ما يربحه الأئمة والفقهاء، هذا إن كانوا يربحون شيئا في الأصل، لأنني رأيتهم اليوم قد تدفقوا على شوارع العاصمة يجوبونها بجلابيبهم البيضاء ولحاهم السوداء احتجاجا من عدم الاكتفاء، وفوق ذلك وهو الأهم سأقوم بمهنة أحبها، ودعوة عامة تخترق أسوار المساجد وتتحرر من رقابتها ككل القنوات والفضائيات في هذا الشأن،ولا شك أن الله تعالى سيبارك فيها.

وفعلا، بدأ “يوتوبرز” أمين ممارسة هوايته وأخذ هاتفه الذكي المتواضع، وبدأ التجوال في المساجد يصورها، بابها وبوابها..بهوها ومحرابها..فنائها وسقفها.. نقشها وزخرفتها.. قببها ومآذنها.. حزبها وإشعاعها..وكل معالمها وأنشطتها دون أن يقرب إلى خطبائها ووعاظها ليأخذ منهم كلمة حرة أو فتوى معلومة أو أي ارتسام، وإن كان شديد التقليد لهم، لكن بطريقته الفكاهية المعهودة وفي مواضيعه الشبابية الخاصة، التي يراها هو تخدم وتستهوي الأطفال والشباب، بما تتناوله من مواضيع خاصة بهم وبواقعهم المغيب في عالم المساجد والخطباء أو تكاد، وكأنه بذلك قد أخذ على عاتقه أن يكون لهم داعية نظيرا، لا يريد منهم غير ما يزورون قناته وينخرطون فيها ويشاهدون ويعجبون ويعلقون ويتقاسمون محتواه التربوي الظريف، في أفق دعوة تشاركية على غرار الثقافة التواصلية والإعلامية المعاصرة، الكل فيها يأخذ ويعطي والكل فيها يؤخذ من رأيه ويترك.

المساجد المحلية فالجهوية فالوطنية، كلها جاب عنها الحواضر والبوادي وقطع من أجلها الصحاري والفيافي، عبر الحافلات والشاحنات وفي مختلف الجولات والرحلات، يصبح في هذا ويمسي في ذاك، وكم صادف مناسبة في هذا أو قصعة طعام في ذاك، وكان مما يثلج صدره على الدوام أنه ما يكون في ظهر شاحنة أو قلب حافلة أو جوف قاطرة إلا ورأى شيئان متلازمان.. شامخان لا يفترقان على امتداد السهول وضفاف الوديان وفي ربى التلال وأعالي الجبال، ألا وهما المسجد والمدرسة، مساجد شامخة هنا وهناك في كل مكان، ومدارس مربعة هنا وهناك عبر كل زمان، هنا العلم والإيمان، هنا أركان الإسلام، هنا الكينونة والهوية والعمق الحضاري، هنا زوارق التنمية الحقيقية للأنام والتقدم بالبلاد والعباد إلى الأمام، فلا خوف في هذا الوطن عليك أيها الإنسان، لا خوف عليك مهما حاول الجالبون جلب شيء من سقط الغرب أو عبث الشرق فهو أمام المآذن والمدارس وهم وبهتان.

مساجد وجوامع تاريخية عظيمة، بدأ “أمين” بيبلوغرافيتها ومونوغرافيتها وتاريخها وجغرافيتها بأسمائها ومساحاتها..وبناتها وحكايات بنائها.. وعلمائها وزعمائها وعهودها المتوضئة وتاريخها الوضاء: من مساجد الأدارسة الفاتحين..مساجد المرابطين..مساجد الموحدين..مساجد المرينيين..مساجد السعديين..إلى مساجد العلويين الشرفاء، كتبها وكتابها ومكتباتها..علومها وعلماؤها وكراسيها العلمية وخدماتها الاجتماعية وحملاتها الجهادية..أشهر المساجد وأقدمها..أكبرها وأنشطها..الخصوصية الحضارية لمآذنها الأندلسية المربعة، في مسجد القرويين بفاس.. ومسجد حسان بالرباط.. ومسجد الكتبية بمراكش.. والمسجد الأعظم بوجدة وسلا.. والمسجد العتيق بطرفاية والمسجد الجديد ومسجد أهل فاس ومسجد القدس و المستقبل..

ويبقى مشروع الطفل ال”يوتوبرز” المغربي “محمد أمين” حول المساجد واسع الأفق لا ينضب، وأنجز فيه العشرات من الفيديوهات الوثائقية والتسجيلية الشيقة، حظيت بمئات الآلاف من المشاهدات، وكثيرا ما تربع بعضها على “التوندونس”، وهو يفكر الآن في تطوير برنامجه  ليشمل ويغطي أعظم المساجد في العالم: المسجد الحرام بمكة..المسجد النبوي بالمدينة..المسجد الأقصى بفلسطين..مسجد الحسن الثاني بالمغرب..مسجد الشيخ زايد بالإمارات.. مسجد بوطرجايا بماليزيا.. المسجد الأزرق بتركيا.. مسجد كريسطال.. ومسجد فيصل بإسلام آباد.. مسجد مسالك الجنان بالسينغال..، ودور كل هذه المساجد في وحدة الأمة الإسلامية، في أمنها الروحي ونهضتها المنشودة، وما دور الطفولة والشباب في هذه النهضة وماذا يمكنهم أن يقدموا للمساجد وأول ما يقدم المواظبة على عمارتها:” إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ”التوبة/18.

ولأن محتوى القنوات على “اليوتوب” لابد له من شيء من الإثارة والتشويق..والجرأة في الطرح والشمولية في التغطية والاختصار في المضمون والمهنية في الإخراج، فقد فكر صاحبنا “محمد أمين” في كل هذا ولديه منه الكثير مما يمكن أن يحصل عليه في برنامجه الشيق “أخبار الجوامع”، من أقفلوه ومن رمموه..من أوقفوا خطيبه ومن عوضوا إمامه.. من يمنعون محاضريه ومن ملؤوه بمحو الأمية..من ينظمون فيه مسابقة قرآنية ويغلقون روضه وكتابه؟..من تقام رواتبه في مرآب وتراويحه في الشارع..من داع إشعاعه ومن هو مغمور في الحفرة.. من لا زال مسجدا لله ومن أحكموا عليه السيطرة.. من بقي مسموح فيه بالاعتكاف ومن لا تجمع فيه الزكاة..ومن..ومن..ومن..؟؟ كل هذا أكسبه فريقا من المراسلين الشباب في مختلف الأمصار والأقطار وفتح لهم ولغيرهم فرصة المشاركة في القناة عبر العديد من المسابقات والإبداعات، ودائما حول موضوع الشباب وخدمة بيوت الله، ولعل الجميع يجيب يوما عن سؤال أبدي محير ألا وهو:”لماذا يصر اليهود الصهاينة على هدم المسجد الأقصى واستنبات الهيكل المزعوم مكانه”.

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى