أديب السلاوي يكتب: “القراءة” الأزمة المؤلمة والمحزنة

-1-

في المغرب الراهن، تعاني التنمية الثقافية / التنمية البشرية، و تعاني التربية والتعليم، كما يعاني كل المجتمع، بكل فصائله وأطيافه، من أزمة حادة اسمها “القراءة”.فصناعة الكتاب و إبداعات المسرح والسينما والموسيقى والفنون التشكيلية والسياسة والاقتصاد والثقافة لا يمكنها أن تؤدي دورها في التنمية خارج القراءة

نظرا للتطور الحضاري/التكنولوجي الهائل ،والانفجار المعرفي الذي أصبح يشهده العالم الراهن ،والاهتمام الإنساني بحرية التعبير وإبداء الرأي،اتسع مفهوم القراءة ،إذ أصبحت تشمل تغيير رموز الحضارة والإنسان والمعرفة، وبالتالي رموز الحياة وما بعدها.

اجتماعيا وتربويا وعلميا وثقافيا، مازلنا هنا نعتبر مفهوم القراءة أمرا بسيطا، لا حاجة لنا للبحث في أغواره، علما أننا في مراتب متأخرة حضاريا وثقافيا وعلميا وتربويا بسبب انعدام القراءة.

الأمة التي لا تقرا، امة غير نافعة لا لنفسها ولا للحضارة الإنسانية، لا تجد الحلول لمشاكلها، تعتمد باستمرار على العقل الآخر من اجل عيشها وحضورها وتواصلها مع العالم.

الإحصاءات الدولية في موضوع القراءة تقول أننا نقرأ في أحسن الحالات ساعة واحدة في السنة، مقابل عشرات و مئات الساعات من القراءة في الغرب واسيا، وهو ما يعنى أن القراءة في البلاد المتحضرة، هي باب المعرفة، هي باب التقدم الحضاري.

-2-

عن مؤسسة بريطانية متخصصة في قياس درجة الثقافة العالمية، أن المواطن الهندي يخصص عشر ساعات و42 دقيقة في الأسبوع للقراءة / وان المواطن التايلاندي يخصص تسع ساعات في الأسبوع للقراءة /وان المواطن الصيني يخصص ثمان ساعات أسبوعيا للقراءة/ وان المواطن السويدي يخصص سبع ساعات أسبوعيا للقراءة/ وان المواطن الفرنسي يخصص ست ساعات ونصف للقراءة أسبوعيا / وان المواطن العربي لا يزيد على خمس دقائق للقراءة أسبوعيا.

يعني دلك بوضوح أن القراءة تعاني في العالم العربي من وضع محزن ومؤلم، وان هناك جريمة اكبر من جريمة حرق الكتب التي عرفها تاريخنا العربي،إلا وهي جريمة عدم القراءة.

فبعد أن كان الكتاب يمثل قيمة كبيرة للمواطن العربي، تراجعت قيمته بشكل مخيف، ويعود هذا الى ضعف الثقافة القرائية داخل الأسرة، داخل المدرسة، داخل الجامعة، ويرتبط ذلك من جهة بالمناهج الدراسية، ومن جهة أخرى بغلاء أسعار الكتب.

-3-

لماذا تحتل القراءة كل هذه الأهمية… ؟

إنها أول أمر إلاهي انزله الله جلت قدرته على رسوله محمد ا(ص). قال له سبحانه بصيغة الأمر،” اقرأ ” وهو ما جعل/ يجعل القراءة في مقام رفيع

القراءة تعني تنمية المهارات العقلية والفكرية، تعني الصحة العقلية وغداء العقل، هي محفز الدماغ للقيام بمهامه وتطوير قدراته التواصلية، وهي مرادفة للتحرر وللتفكير وللحس النقدي وللوعي بالحقوق والمطالبة بها، وهي مرادفة أيضا للممارسة السياسية الفعلية، بها يرقى المواطن ليمارس صلاحياته كاملة في الحياة الديمقراطية. .

القِـرَاءة لا تعني فقط تراكم الأفكار، بل تعني أيضا، تعلم الخبرات، القدرة على التعبير، بناء الشخصية على أسس صحيحة

القِـرَاءة، هي أهم معيار على سلم التنمية /هي تحفيز العقل على العمل الايجابي، على بقاء الدماغ نشطا، متفاعلا، قادرا على التركيز والتحليل، على تحسين الذاكرة وتطويرها.

والقراءة أولا وأخيرا هي أهم أدوات التربية والتعليم، هي واحدة من المهارات التي تجعل القارئ داخل دائرة المعرفة.

-4-

يقول خبراء القراءة أن القارئ عالم بماضيه وحاضره وأمين على مستقبله، دلك لان القراءة ليست فقط عملية لاسترجاع المعلومات المخزنة بالعقل، إنها أبعد من دلك، عملية تفكيرية،تشتمل على فك الرموز المخزنة للوصول إلى المعاني، المعلومات، الأفكار التي يحتاجها القارئ للاندماج في ثقافته وعاداته وقيمه ومحيطه.

مع الأسف الشديد ،تسود في مجتمعنا نسبة كبيرة من الأمية، لدلك يصعب علينا الاستفادة من إمكانات القراءة وقيمها، وتبعا لذلك يصعب علينا تحقيق التنمية البشرية وأهدافها المرجوة، وهو ما يتطلب منا.جعل درس القراءة إلزاميا في مناهجنا التعليمية، من التعليم الأولي إلى التعليم الجامعي، إنها، أي القراءة طريقنا الوحيد لجعل مواردنا البشرية قادرة على السير، /على تحقيق أهداف التنمية الشاملة التي نحلم بها،دون تحقيقها.

-5-

إضافة إلى درس القراءة،بالمدارس والمعاهد والجامعات، تحتاج منا القراءة العودة إلى تلاحم جهود المؤسسات الثقافية والاجتماعية المختلفة،للدفع بالأجيال الصاعدة إلى القراءة، تحتاج منا إنتاج الكتاب السهل والممتع ووصوله إلى القارئ بأقل الأسعار.

من اجل أن تتمكن الأجيال الصاعدة من متعة القراءة، لابد من انخراط الآباء والأمهات والمعلمين والأساتذة والمؤطرين في” عملية القراءة” وهو ما يعني إيجاد سلاسل من الكتب التي تخاطب عقل هذه الأجيال من اجل تقليص الهوة الصارخة بينها وبين القراءة، وأيضا من اجل خلخلة المعضلة القرائية التي تقف ضد التنمية والثقافة والرقي الحضاري.

أفلا تنظرون…. ؟

محمد أديب السلاوي

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى