الشباب ثروة و ثورة (خطبة جمعة مكتوبة)

الافتتاح / عباد الله: لا يخفى عليكم أنه تستقبلنا مناسبتان من ذكريات هذا البلد يحتفل لهما كل عام: 1) ذكرى ثورة الملك والشعب التي تحل بنا في العشرين من غشت، 2) وذكرى عيد الشباب التي يخلدها المغاربة في الواحد والعشرين من غشت كل سنة تعبيرا عن فرحهم بعيد ميلاد ملك البلاد صاحب الجلالة محمد السادس أصلحه الله وأصلح به وأيده ونصره في بناء صرح المجد والمكرمات لوطنه وشعبه.

 فأما الشباب فهم القوة الأولى في المجتمع المسلم وفي أي مجتمع، وهم الذين عليهم الاعتماد في نهضة الأمم، بعزيمتهم، وأخلاقهم، وتضحيتهم لتحقيق الازدهار فعلى أكتافهم تُبنى الدول، وتزدهر الحضارات، وبهم يُدحر الباطل، ويعلو الحق، وتُقتلع شوكة الفساد، وتُغرس نبتة الخير، وهم صانعو الأفكار، ومنتجو التغيير، تتضاءل إلى جانب همتهم كلُّ همة، وتتدانى إلى جانب حماستهم كل حماسة وقوة، وعليهم الرهان في نجاح الفكرة؛ ومن هنا كان الشباب قديمًا وحديثًا في كل أمة عماد نهضتها، وفي كل نهضة سر قوتها،قال تعالى عن أهل الكهف(إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)[الكهف 13] نعم وصفهم الله بالفتوة لكنها فتوة إيمان بالرب الواحد الأحد، فتوة يقظة ونباهة في وسط الغافلين،فتوة يقظة ونباهة في دوامة اللاهين التافهين فتوة يقظة ونباهة تعتزل عبادة الأوثان من أي نوع كان، كانت فتوتهم  ويقظتهم علامة هدايتهم الفطرية فزادهم الله من فضله هدى، فحولتهم فتوتهم المؤمنة المهتدية بفضل الله إلى آية من آيات الله العجيبة، أحسوا أن شبابهم ثروة فثاروا على واقعهم المظلم بظلم الشرك والمعاصي وطلبوا الرحمة من الله وإعانته على سلوك طريق الرشاد لينجوا بأنفسهم مما عم بأرضهم من الفساد، فخلد الله ذكرهم في كتابه، وشرفهم بالتمجيد في محكم خطابه ليكونوا مثالا وقدوة لكل الشباب في كل زمان وفي كل مكان، كأن القرآن الآن يخاطب شباب الأمة الإسلامية ويصيح بهم: يا شباب عيدكم المجيد هو في تحويل ثروة فتوتكم إلى ثورة في نهضتكم ويقظتكم، الشباب مرحلة من العمر زاهرة، فاجعلوها بالمنجزات النافعة عامرة، فقد أخبر نبيكم عليه الصلاة والسلام بأن كل شاب سيسأل يوم القيامة عن شبابه فيما أبلاه. ضمن خمس سيسأل عنها كل آدمي من بني آدم.

يا شباب اليوم اذكروا ولا تنسوا الشباب الذين التفوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم هم الذين نصروه وعزروه وجاهدوا بأنفسهم وأموالهم في سبيل إعلاء كلمة الله، شباب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يكونوا أهل رقص وغناء ومجون وتدخين ومخدرات وعربدة وقطع طريق وإرهاب للآمنين، شباب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يضيعون أوقاتهم في الملاهي ولا كانوا متسكعين في الطرقات ولا مقهقهين في المجامع بالأصوات، شباب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذين بنوا للأمة الأمجاد تلقوا العلم ونشروه، وتعلموا الفضائل والحكم وتخلقوا بها،صَفّـُهم مرصوص في خدمة الدين والوطن، وجمعهم درع متين وحصن حصين عند حلول المحن، لذلك فإن اقتران ذكرى عيد الشباب بذكرى ثورة الملك والشعب تحيل بذاكرتنا إلى شباب تلك الفترة أولئك الشباب هم من يمثل الآن جيل الآباء والأجداد، ذكرى ثورة الملك والشعب هي ذكرى ثورة ملك شاب في فكره إلى جنب شباب من شعبه يخلد بها المغرب انتفاضته القوية- والتي كانت يوم 20 غشت من سنة 1953م- في وجه الاستعمار حين بلغ ظلمه أقصاه، ووصل طغيانه منتهاه، فامتدت يده الأثيمة إلى الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، فنفاه الاستعمار عن شعبه وبلده، وعن عرشه ووطنه. فهب الشعب المغربي في منتهى الولاء والإخلاص والصبر والفداء والتضحية والوفاء لدينه ولوطنه، ولملكه فوقف بجهاده المستميت سدا منيعا في وجه الاستعمار وأطماعه التوسعية، وضد نواياه وأعماله السيئة وكان النصر والتأييد للمجاهدين الأوفياء( وكان حقا علينا نصر المؤمنين).

فإذا وقفنا وقفة تأمل وتدبر عند هذه الذكرى الجليلة أمكننا أن نستخلص الدروس والعبر التالية:

الاعتزاز بالانتماء لهذا الدين، وحدة الكلمة ووحدة الصف وتقديم مصلحة الوطن والمصلحة العامة على المصلحة الفردية أو الخاصة فانطلاقا من هذه المعاني الإسلامية السامية وهذه الدروس التاريخية، نتوجه إلى الله تعالى أن يجعل عهدنا في ظل جلالة الملك محمد السادس عهد خير ويمن وبركة وعهد اعتزاز بالإيمان والثقة في الله تعالى، وعهد الوحدة والاستقرار، وعهد التضحية والبذل لمصلحة البلاد والعباد،قال تعالى:((إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا))،.

ونفعني الله وإياكم بالذكر الحكيم وكلام سيد الأولين والآخرين سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله على نواله وإفضاله، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله،  وعلى جميع من تعلق بأذياله،  و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد :

 أيها المؤمنون قال الله تعالى: }وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمُ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{ (سورة الروم آية 21) وقال عليه الصلاة والسلام «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» رواه البخاري ومسلم وغيرهما. والباءة: مؤونة الزواج، والوجاء: الحد من الشهوة. عباد الله إن موسم الصيف عادة موسم تكثر فيه الأعراس وحفلات الزواج فعلى المُزوجين أبناءهم وبناتهم والمتزوجين والمتزوجات وأهاليهم أن يستحضروا تعاليم الإسلام في ممارساتهم و يسألوا عن أحكام شرع ربهم وهدي نبيهم ولا يسايروا العادات القديمة أو المستحدثة دون مبالاة هل يجيزها الشرع الإسلامي أو يحرمها، كما عليهم أن يستحضروا الحكمة من تشريع الزواج والأهداف السامية التي من أجلها حث الإسلام عليه و دعا إليه، فالله تعالى إنما شرع الزواج لحكم سامية وغايات نبيلة وفوائد جليلة وأمر بتيسير أسبابه لأنه هو الطريق السليم للتناسل وعمران الأرض بالذرية الصالحة. فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر (أي نصف) دينه فليتق الله في الشطر الباقي» (رواه الطبراني في الأوسط والحاكم، وقال صحيح الإسناد) فتفقهوا عباد الله خصوصا الشباب منكم في أمر الزواج قبل أن تقدموا عليه، و تعلموا أحكامه و آدابه و أهدافه يكن إن شاء الله زواجا سعيدا بحوله و قوته واستعينوا على ذلك كله بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم.

الدعاء

ذ. سعيد منقار بنيس/خطيب جمعة بالدارالبيضاء

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى