الدعوة الى الله أصل أعمالنا، ومبدأ من مبادئنها

الدعوة إلى الله تعالى

إن من مقتضيات ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، والإيمان بسمو مرجعية القرآن العظيم والسنة المطهّرة، والقناعة الراسخة بأن الإسلام هو الهدى: الدعوة إلى الله تبارك وتعالى. فلما كانت كذلك، اتخذناها مبدأ من مبادئنا، إذ هي الأصل الأصيل في أعمالنا، والركن الركين في اهتماماتنا، وعنها تتفرع باقي الأعمال، وإليها ترد مختلف الأشغال. وهي خير وظيفة يضطلع بها المسلم، ويقوم بأعبائها المؤمن، وهي طريق الأنبياء عليهم السلام ومن اقتدى بهم بإحسان.

والدعوة إلى الله تعالى فريضةٌ واجبةٌ على كل مسلمٍ عَلِمَ من دين الله شيئا قليلا أو كثيرا، يقوم بها في محيطه القريب بين أهله وأقاربه ومعارفه وجيرانه في السكن والعمل، ويصل بها إلى أقصى الناس وأبعدهم ممن تلزمه دعوتهم. قال الله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ اَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(يوسف 108)، وقال عز من قائل: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)(النحل 125). وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُومَرُونَ)(التحريم 6)، وهي أيضا فرض على مجموع الأمة تقوم بها الدولة والجماعات والمؤسسات قال تعالى: (وَلْتَكُن مِنْكُمُو أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(آل عمران 104). ولا تبرأ ذمتها حتى تقوم بها على أكمل وجه.

وللدعوة إلى الله فضلها العظيم، وثوابها المفتوح، مما يكفي لجعلها من الأولويات التي تحظى بالاعتبار في حياة المسلم، قال الله عز وجل: (وَمَنْ اَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(فصلت 32). وقال النبي صلّى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: “فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً واحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أن يكونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَم”([7])، وقال أيضا:” مَنْ دَعا إلى هُدى كانَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مثل أجورِ مَنْ عَمِلَ به لا يَنْقُصُ من أجورِهم شيئا”([8]).

والدعوة إلى الله جديرة بكل تضحية بالمال والوقت والنفس، لأنها من مهام الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَل اَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ اَلِيمٍ تُومِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمُو إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الاَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُومِنِينَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَاراً للهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ اَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ فَآمَنَت طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ)(الصف 10-14).

وهي نوع من الجهاد في سبيل الله، بل هي من أشرف أنواع الجهاد، وأصلُ كل خير وصلاح. إنها استقامةٌ على النهج القويم، وحضٌّ على الاستقامة، وهي الأصل التصوري لحركية المسلم الإيجابية في محيطه القريب والبعيد.

والدعوة إلى الله إذ كانت لنا مبدأ أساسا، فقد ألزمتنا بمقتضياتها وشروطها. فهي تقتضي من الداعية الاحتشاد لها بمكابدة العلم، ومجاهدة النفس، وتعهُّدها بالتربية والتزكية، وحملها على المعالي، وتعويدها الخير، وقبل ذلك التوكل على الله والاعتماد على توفيقه، والبراءة من الحول والقوة إلا به، وردّ الأمر كله إليه. وهي تقتضي أيضا الحكمة في الخطاب، والمحبة للخلق، والنزوع إلى العدل والإنصاف. وتقتضي من الداعية الصبر والحلم والرفق. كما تقتضي منه معرفة بالأحوال والظروف، والوقائع والصروف، وفقهاً لسنن الله في النفس والخلق والمجتمع؛ حتى يؤدي رسالته على أكمل وجه ولا يكون فتنة للخلق وحجابا عن الحق.

والدعوة إلى الله كما تقتضي التحقق بشروطها والتخلق بصفاتها، فكذلك تقتضي التحلق حول مائدتها، والتعلق بمقاصدها؛ وهو ما يستتبع عملا تشاركيا جماعيا، تسود فيه معاني الأخوة وأسباب الاجتماع الموفق، من شورى بين المؤمنين، وأخذ بأسباب النظام المسدِّد للمشاريع، وضبط للأعمال تخطيطا وتنفيذا. إن ذلكم ما تسعى إليه حركة التوحيد والإصلاح وهي تجعل من “الدعوة إلى الله تعالى” الأساسية، وتلقاء أعينها قول الله تبارك وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ، نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ، وَمَنْ اَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ، وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(فصلت 29 – 35).

من ميثاق حركة التوحيد والإصلاح/ طبعة 1440هـ-2019م

 

للاطلاع على:

للاطلاع أيضا على: 

 المكتب التنفيذيهيئاتنا الوطنيةهيئاتنا الجهويةهيئاتنا الإقليميةرؤساء الحركة

جهة الوسطجهة الشمال الغربيجهة القرويينجهة الجنوب

وثائقنا وأوراقنا

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى