الأسرة المهاجرة

جيل قرآني فريد”، ذلك الجيل الذي آمن برب محمد صلى الله عليه و سلم و عض على إيمانه بالنواجذ ولا زال  يتلقى أوامر الله و رسوله تلقي السامع المطيع  دونما نقاش أو جدال أو طلب مهلة للتفكير أو الاقتناع ذلك أنهم عبدوا الله حبّا وتذللا، رغبة ورهبة و أيقنوا أن الله لن يضيعهم و رسوله .

فلما جاء الأمر بالهجرة لم يترددوا و لم يتوانوا، ولم يبطئوا بل أسرعوا نحو يثرب، فرادا وجماعات، راجلين وركبانا، رجالا ونساء شيوخا وأطفالا وشبّانا…

إنه لأمر صعب وما هو باليسير أن يترك المرء الوطن والأرض التي نشأ فيها و ترعرع، أن يترك الأهل والأحبة والولد أن يترك المال وقوام العيش لينطلق نحو المجهول .

لكنه اليقين بأن الله يحبهم ولن يضيعهم فهو بمعيتهم، ولن يكلفهم ما لا يطيقون وهو الأعلم بما يصلح لهم.

 فكان العزاء والجزاء فيما سطرت لنا كتب السير من صور المؤاخاة التي عقدها حبيبنا صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، حيث يتجلى الإيثار في أبهى حلله وأرقى  صوره، إيثار، أخوة ونصرة لم يشهد تاريخ البشرية لها مثيلا فضلا عن الجزاء الأخروي قال تعالى : “والذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولائك هم المومنون حقا لهم مغفرة و رزق كريم”. الأنفال- 75-

وقد كان من أول من لبّى نداء الهجرة إلى الله ورسوله، أبو سلمة وزوجه أم سلمة رضي الله عنهما و ن الصحابة أجمعين ، فقد روت أم سلمة “هند بنت أمية” قصة هجرتها الخالدة الشاهدة على علو همة النساء كما الرجال في البذل والتضحية والعطاء .

قصة طويلة حافلة بالعطاء والعبر، خلاصتها أنها لما خرجت وزوجها للهجرة نحو يثرب تعرض أهلها لزوجها و أخذوها منه ، فغضب لذلك قوم زوجها فنزعوا ابنها من حجرها، لتتجاذبه أيادي بني عبد الأسد و بني مخزوم حتى تخلع يده أمام أعين والديه تقول رضي الله عنها:” فتجاذبوا بُنَيَ سلمة بينهم حتى خلعوا يده”. ليتمكن قوم أبي سلمة من انتزاعه وضمه إليهم، ثم تحبس أم سلمة من لدن قومها حتى لا تصحب زوجها نحو يثرب، فيهاجر الزوج المجاهد وحده أسيفا حزينا دون زوج أو ولد إذ لم يكن هذا الحادث الأليم مانعا له من الهجرة أو مؤجلا لموعدها ، تقول أمُّنا سلمة رضي الله عنها ” ففُرِّق بيني وبين زوجي وبين ابني” . لتعيش هذا الألم المزدوج، فراق الابن الصغير وفراق الزوج الحبيب ما يقارب العام، تمضيه في حزن وبكاء  دائمين .

تقول رضي الله عنها :” و الله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة” إلى أن جاء موعد الفرج:” إن مع العسر يسرا” – الشرح 6-، حيث رقّ بعض عشيرتها لحالها، فشفع لها عند أهلها فسمحوا لها بالالتحاق بزوجها كما حنّن الله قلب عشيرة زوجها، فأعادوا إليها فلدة كبدها سلمة .

فيمّمت وجهها شطر يثرب و ابنها في حضنها، غير مبالية بمئات الكلومترات التي ستقطعها وحيدة  وغير عابئة بمخاطر ولا بصعوبة الطريق يتجاذبها شوقان: شوق إلى دار الهجرة، وشوق خاص إلى الزوج الحبيب أبي سلمة، ولكن الله معها يحفظها ويحميها فهي مهاجرة إلى الله ورسوله فكان أن سخر لها عثمان بن مضعوذ، الذي أوصلها إلى يثرب .

ولعل من بركات هجرة هذه الأسرة المباركة أن منّ الله على أم سلمة بأن تزوجها المصطفي صلى الله عليه و سلم، فصارت بعد وفات زوجها أبي سلمة أمّا من أمهات المؤمنين فقد تزوجها الحبيب محمد صلوات الله وسلامه عليه  إكراما لها واعترافا بفضلها وجهادها وبلاءها، بل وإكراما لأبي سلمة الذي أبلى بلاء حسنا في خدمة الإسلام وإعلاء راية التوحيد  حيث تولى النبي صلى الله عليه و ذسلم  تربية أبناءه و رعايتهم .

نادية الناصري

———-

المصادر و المراجع :

– سيرة ابن هشام

 – الروضة الفيحاء في تواريخ النساء ل”ياسين الخطيب العمري”

 

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى