الأمثال الشعبية والعمق الديني للتراث الشفاهي

الأستاذ عبد الرحيم مفكير

تشكل المرجعية الدينية ركنا أصيلا وأساسيا في تشكيل الهوية الثقافية للمجتمع المغربي، ليس فقط على صعيد الإنتاج الثقافي العام، بل أيضا وبشكل أقوى على مستوى البنية الثقافية التقليدية التي تؤطر قناعات وسلوكيات الناس في تجاربهم ويوميات معيشتهم وتأملاتهم في القضايا التي تشغلهم، مادية ملموسة، أو معنوية مجردة.

وبوصفها تكثيفا وإعادة إنتاج للتجربة الذاتية والجماعية، وحصيلة الاحتكاك بالزمن والناس والأمكنة، فإن ديوان الأمثال الشعبية التي يزخر بها التراث الشفاهي المغربي يصطبغ إلى حد كبير بالمعاني والتعاليم الدينية المشتقة من النص الديني مباشرة أو من الميراث الفقهي والاجتهادي.

هناك ظاهرة التعالق النصي وأنواع التفاعلات القائمة بين هذه الأمثال والنصين الإسلاميين التأسيسيين: القرآن الكريم والسنة.

ويأتي ذلك في أفق “حمل وترجمة القيم الإسلامية إلى سلوك معيش ومحايثة اجتماعية تجعل من تلك القيم موجهات يومية للسلوك والمواقف، ونقل تلك الأبعاد الدينية التي تحفل بها الخطب المنبرية والوعظية إلى نوع من التفاعل المباشر مع تناقضات الحياة ورهاناتها.

ونقدم  نماذج من الأمثال المغربية، مع إبراز مدى تمثلها للقيم والأخلاق الإسلامية.

ومنها على سبيل المثال “المكتوب ما منو هروب” (لا مفر من قضاء الله وقدره) و”اعمل يقينك فالله يعينك، واعمل يقينك فالعبد يخونك” و”الدنيا ضراعة، كل واحد يلبس ساعة” (الدنيا مثل الجلباب، كل امرئ يلبسه وقتا معلوما) في تمثل للآية الكريمة “وتلك الأيام نداولها بين الناس…”

ومن النماذج أيضا “ما دامت شدة” (الشدة لا تدوم) في استحضار لقوله تعالى “فإن مع العسر يسرا” و”الصمت حكمة وكلام العيب نقمة” و”قالوا للجمل: كيف تأكل الشوك؟ قال باللسان الرطب” في احتفاء بالكلمة الطيبة، مصداقا لقوله تعالى: “إليه يصعد الكلم الطيب”.

وواضح من هذه النماذج أن التراث المغربي من الأمثال الشعبية يتقاطع، بل يتطابق أحيانا، نصا ومعنى، في جزء كبير منه، مع نظيره في عدد من البلدان العربية الإسلامية، كنتيجة لتشابه وتلاقح خبراتها التاريخية والمجتمعية. كما يكون له مستند شرعي في الغالب.

المثلالمجالالقيم
المكتوب ما منو هروبدينيالإيمان بالقضاء والقدر
كلب البرمة على فمها تخرج البنت لمهامنين ذاك لغصين من ديك الشحرةاجتماعيحسن التربية واقتداء الفتاة بأمها
وريه وريه ولا عما مشي وخليهديتيالنصح والإرشاد للخير وعدم الإلحاح
الفول يعطيه ربي غير لما عندو دراسديني /اجتماعيذم عدم شكر النعمة
فرش لولاد الناس تلقا من يفرش لولادكدينيفعل الخير وتعميمه
سوق النسا مطيار ياداخلو خطي راسكاجتماعيقيمة سلبية شيطنة المرأة
زواج ليلة تدبيرو عامطاح الحك أو صاب غطاه

 

لعروسة فوق الكرسي ما عرفوها عندمن ترسي

اللا مشى الزين بقاو حروفو

للا زينة وزادها نور الحمام

ديني/ اجتماعيتحمل المسؤوليةتوافق وحسن اختيار الزوج والزوجة

بساطة الزواج

تعدد الخطاب

نسبية الجمال وعدم دوامه

الاستهزاء بالمرأة التي تحاول إضفاء الجمال على وجهها فيقع العكس.

الضيف ما يتشرط ومول الدار ما يفرطاللا طردك البخيل عند لكريم تباتدينيالكرم وحسن الضيافة 
الجار قبل الداردير ما دار جارك والا خوي داركديني/ اجتماعياحترام الجار
ما يدومو فيها غير الصباراالصبر كيدبر  الصبر
أنا باللقمة لفمو وهو بالعود لعينيضربني وبكا وسبقني وشكت

العود اللي تحكريه يعميك

ديني/ اجتماعيالظلم والحسد
الزين في الدفلة وحار=======الجمال والبهاء
لا تيق حتى تعرف لعدو من الصديقلا ثيقة في عتيق

يقتل الميت ويمشي في جنازتو

دير النية وبات مع الحية

ديني/ اجتماعيالأمانة والثقة

الخطبة والعرس:

تخضع حفلات الزواج بالمغرب لمزيج من العادات والتقاليد التي تتباين كلما انتقلنا عبر مناطق وأرجاء المملكة المغربية، فعادات الشرق تختلف عن عادات الشمال، وعادات المدن الأصيلة كفاس ومراكش والرباط تختلف عن عادات المدن حديثة النشأة مع استحضار الفارق بين عادات كل من الفاسيين والمراكشيين وهكذا.

وحضور العرس الدكالي له طقوسه. عندما يتم التراضي بين الطرفين دون موافقة العروس من عدمه، ويحدد المهر، وفي الغالب تكون الفتاة قاصر، وهو الحال في الغالب إلى اليوم تزف الزوجة لبيت الزوجية بعد تزيينها بالحناء، والقرتقل، والورد، ويظقر شعرها، وترتدي خلة بيضاء تسمى ” الشقة”

تجهز الناقة لحمل المتاع و” البغلة ” تركبها العروس، ويتبعها الحضور من أهل الدوار دون إن أو اسنضافة يرددوت الأغاني:

بنتنا زينة زينة بلا عكر بلا عركوس

وتقول لعروسة بعد أن تودع أباها وإخوتها: أنا غاذية برزقي أو خليت رزقي لخوتي”

وعند الوصول:

حتا جيتا لا تكولو ما جينا ::::: الهوا ما هي بجميل

فرشي يلالا الزربية ::::: العريس يكمش ويلوح بريال

وتردد أم العروس:

ياتهلا فيها

راني ما حاملة ما نتوحم بها

وتردد الجماعة: آراه ليها آره ليها

وتأحذ الزوجة نعالها، ويأخذ الزوج نعاله، ومن يضرب الأول فهو الغالب. وتجتمع النساء ترددن الأغاني” أهتا طاح الريال وهنا نلغبو عليه”

“أهيا لعريس ضوي بشمع لبلاد إلا جاك الزين ضوي بالترسينتي

عندو الزين عندو لحمام في دارو

الخيبات لاش يصلحو يمشيوا لبحر يطيحو

الزين حيو مولانا واخا في دريالا

هادارو هادارو يالوليد هادارو

مذهبت السنان شاربة كاسو

تحكي الجدات أحيانًا بحسرة عن الأيام الخوالي حيث كانت الأعراس المغربية تدوم سبعة أيام بلياليها، فيتحدثن عن جيل أصابه مرض السرعة حتى في لحظات الفرح، فالبعض قلّصها إلى ثلاثة أيام والبعض الآخر اكتفى بيوم واحد.

وبالرغم من تنوع عادات وتقاليد الزواج بالمغرب واختلافها من منطقة إلى أخرى، فإنها تشترك على الأقل في خطواتها الأساسية.

اليوم الأول:

يخصص لحمام العروس، حيث ترافقها صديقاتها وبنات العائلة. يتم حجز الحمام العمومي خصيصًا لذلك اليوم، فينظف قبل حضور العروس من قبل بعض نساء العائلة ويعطر بمختلف أنواع البخور، ويكون هذا اليوم يومًا مشهودًا؛ إذ تذهب فيه كل نساء العائلة برفقة العروس إلى الحمام.

اليوم الثاني: 

يخصص لحناء العروس، إذ أن نقش الحناء من العادات الإسلامية الراسخة في المجتمع، حيث يعتبر التخلي عن هذه العادة في المعتقد الشعبي نذير شؤم بالنسبة للعروس فيما يخص حياتها الزوجية.

اليوم الثالث:

من أهم أيام حفل الزفاف المغربي، إذ فيه تزف العروس إلى زوجها، ولكن قبل ذلك يتم إحضار سيدة تتكفل بلباس وزينة العروس تدعى في اللغة الدارجة المغربية “بالنكافة”، والتي لا يمكن لعرس مغربي أن يمر من دونها. إذ تحرص هذه السيدة في هذا اليوم أن تلبس العروس في كل ظهور لها أمام الحضور، لباسًا تقليديًا مختلفًا يمثل بعض مناطق المغرب؛ كاللباس: الفاسي والشمالي والأمازيغي وبعض أنواع القفاطين، يُضاف إلى ذلك بعض الأزياء الأخرى الدخيلة على حفل الزفاف المغربي، والتي شاع استعمالها مؤخرًا، مثل: الزي الهندي والخليجي.
وأخيرًا تكون “الطلة” الأخيرة للعروس بثوب الزفاف الأبيض الأوربي. وتُراعي “النكافة” مع كل تغير في نوع اللباس اختيار الإكسسوارات الملائمة لذلك، الشيء الذي يجعل هذا اليوم أشبه بحفل لعرض الأزياء،  يرافق عادة عرض الأزياء هذا بانوراما موسيقية تعزفها إحدى الأجواق التي تكيف موسيقاها وأغانيها حسب نوع لباس العروس، فتكون خليطًا من الأغاني الشرقية والمغربية بشقيها العصري والفولكلوري.

وتختلف طريقة زفّ العروس إلى زوجها حسب المناطق المغربية، إلا أنه في الغالب تُزف على الطريقة الغربية، حيث تأخذ في سيارة فخمة تطلق أبواقها على طول الطريق الذي تقطعه.

ولا زالت العروس في البوادي المغربية تُزف في هودج يحمل على الأكتاف أو على ظهر حصان ويُسمى باللغة الدارجة المغربية “العمارية”. وعادة “العمارية” هذه لا يزال يحتفظ بها في مدن شمال المغرب، حيث يُطاف بالعروس على الأكتاف في الأحياء المجاورة لتركب السيارة بعد ذلك نحو بيت زوجها.

وفي اليوم المشؤوم الذي يسمى عند البعض ب” الدخلة” تنتظر الأسر خروج الزوج يحمل سروال زوجته، فإن بدت عليه علامات الدم زفت البشرى، وانطلق الاحتفال الذي يستمر إلى الصباج ” واسم العروس وا المرضيا سيد الرجال دتيه نتيا ” وهو طقس احتقاري لكينونة المرأة وعذريتها، واتهام لها بعدم الطهر وفي اليوم السابع تحكي الجدة، تخرج الغروس من بيتها حاملة  على ظهرها ” قالب سكر ” ويردد الحضور:

خرجناها بوتيد :::::: دحلناها بوليد

إن الخطوات السالفة الذكر تجعل من الزفاف المغربي زفافًا مكلفًا للغاية، حفاظا على المظهر الاجتماعي للأسرتين، وذلك من خلال الحفاظ على التقاليد التي يجب احترامها بتفاصيلها في حفل الزفاف التقليدي.

إن محاولة فهم تدين المغاربة ليس بالأمر السهل، وقد تبين من خلال الرصد أن المدنس اقتحم المقدس وأصبح الثاني سجينا له، وتابعا لطقوسه وآلياته، لا يعبأ به، وانخرط في تسييجه إلى جانب مستفيدين منه، لوبيات، لما يجنيه هؤلاء من تبليذ الحس وسجن العقل وعدم تحرره من الخرافات والشعوذة. لقد استطاع الفكر الخرافي أن يقيد مثقفين وبعض أدعياء العلم من السحرة و” الفقهاء ” الذين يقومون ب ” السبوب ” مدعين علمهم بالرقية الشرعية، ويتحايلون على ضحاياهم بأساليب شيطانية ومنها : ” البخور، والحجاب، وشرب الماء الساخن، والمشي على الزجاج، ويلمس ذلك كل زائر لأي ضريح، وسيقف بلا شك على الحيل والأكاذيب، والاستغلال للدين وفساد مدعي الولاية، وتدليسهم ونصبهم، مما لا يستطيع تحمله العقل، ولا استيعابه لا سيما أن من بين ضحاياه أناس مثقفون.

لقد اختفت طقوس الزواج وأصبحت حديثة وتابعة للتمدن والمدنية والحداثة، وبعض معالمها القديمة تجدتها في الدواوير البعيدة والتي تأثرت بدورها بال” البارابول” والأفلام المدبلجة التي تسجن النساء طيلة سنوات تتجاوز الأربع. لقد خضعت البادية للتحولات الاقتصادية والاجتماعية وانسلخت من هويتها، وأصبح أهل البادية يتطاولون في البنيان وعرفت سطوحهم المئات من الصحون، وتغيرت حياتهم، وأثرت على بهائمهم وقطعانهم. واختفت ال ” الكيلة ” أي القيلولة وهو وقت استراحة القطيع من حرارة الشمس، وأصبح الدجاج والدواجن لا يعرف ليله من نهاره. كما غابت متعة ” الدراس” و” الكاعة”  (مكان لدرس الحبوب) لفصل الحب عن سنبله،  كما انقرض ” النادر” مكان يوضع فيه التبن، والمطمورة” يطمر فيها الزرع، و” الشكوة”  و” بركوكش” والأهازيج المصاحبة لها. وبدأ يختفي ال” طعام بالتفاية” أي ب” الزبيب” العنب المجفف، و” الشريحة” التين، و” الخبيزة” و” السمن ” البلدي، و”الرابوز” و”الكدرة” و”لعدال” وعادة ” تاغنجا” وغيرها.

كما بدأ حفظ القرآن الكريم بالطريقة التقليدية يتوارى أمام الطرق الحديثة، وهذا لا ينفي رجوع العديد من المغاربة إلى كتاب الله والاهتمام بدراسته وحفظه، وكذا السنة النبوية، وفي نفس الوقت توارت الأهازيج الشعبية أمام “الراي” والموسيقى الغربية، والزي التقليدي أمام “المودا” و”السلهام” أمام “دجاكيط”  و”السروال القندريسي” أمام “الدجين”.

إن التراث الشعبي، يحتاج إلى الاهتمام به ونفض الغبار عنه، لأنه يعكس تاريخنا ومتخيلنا الجماعي، وما يزخر به من ثراء وخصوبة، لا يمكنهما إلا أن يفعلا مفاعيلهما في تطوير علاقتنا بأنفسنا أي بلغتنا وثقافتنا وهويتنا وتاريخنا، ونعزز بذلك انتماءنا إلى ثقافتنا وتاريخنا. وبذلك يمكن أن نسهم في إثراء التراث الإنساني بجزء غني من عطاءات أجيال تعاقبوا على أرض هذا الوطن وساهموا في تشكيله بكيفية دالة على عبقرية مذهلة في التفاعل مع جغرافيته وتاريخه.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى